بقلم // د. علي المؤمن 

تتمثل أهم معايير قياس الرأي العام في تقارير مؤسسات قياس الرأي العام والدراسات الاستشرافية والاستفتاءات والانتخابات. والملاحظ أن تقارير مؤسسات قياس الرأي العام والدراسات الاستشرافية، غالباً ما تكون موجهة أو غير مستوفية للشروط العلمية والواقعية. وبالتالي؛ هناك نقاش دائم في مصداقيتها، وخاصة التقارير والدراسات التي تصدرها مراكز دولية وإقليمية ومحلية معروفة بتوجهاتها المعارضة للحركة الإسلامية الشيعية، أو مراكز لها ميول فئوية وحزبية. ولذلك تأتي نتائج الانتخابات في العراق متعارضة ــ غالباً ــ مع تقارير هذه المراكز ودراساتها.
أما الاستفتاء العام والانتخابات، في الأجواء الحرة، فهما الوسيلتان الرسميتان الأقرب الى حقائق الرأي العام واتجاهاته، حتى وإن شابتهما المشاكل. وقد ظلت نتائج الانتخابات بعد العام 2003، تمثل موقف الرأي العام الشيعي الداعم للحركة الإسلامية الشيعية. ومنطلق هذا الدعم هو ما تفرزه عناصر تشكيل الرأي العام الكامن والرأي العام الثابت، كما ذكرنا سابقاً.
ربما تكون بعض الأحداث والمشاكل سبباً في خذلان متبادل بين الرأي العام الشيعي والحركة الاسلامية الشيعية، لكنه لايتحول الى اتجاه عام يمثل قطيعة نمطية من الرأي العام الشيعي تجاه الحركة الإسلامية الشيعية، لأن الاتجاه العام الغالب لدى الجمهور الشيعي تجاه الحركة الاسلامية الشيعية هو اتجاه ايجابي؛ إذ لايوجد لديه موقف سلبي نمطي مسبق حيالها، على العكس من موقف الرأي العام الشيعي من الأحزاب العلمانية، كالليبرالية والقومية والشيوعية. أما ظهور رأي عام شيعي جزئي داعم للتيار العلماني، فهو ظهور مؤقت وانفعالي، ومبني على حدث معين أو مشكلة، وحين ينتهي الحدث وترتفع المشكلة، يعود هذا الرأي العام الى اتجاهه الأصلي.
والاعتقاد السائد هو أن التغيير العمودي أو الجذري في موقف الرأي العام الشيعي من الحركة الإسلامية الشيعية صعب جداً، لكنه ليس مستحيلاً، وأسباب صعوبة ذلك تكمن في مجموعة متعاضدة من الأسباب، أهمها:
1- إن الحركة الإسلامية الشيعية جزءٌ من النسيج الاجتماعي الشيعي، ومكونٌ أساس من مكونات الاجتماع الديني الشيعي، وأحد عناصر قوته وحمايته، أي أنها حركة دينية اجتماعية متداخلة مع المجتمع الشيعي العراقي ومتجذره فيه، وليست مجرد حركة سياسية أو حزب هدفه الوصول الى السلطة.
2- وجود المرجعية الدينية على رأس الحالة الدينية والنظام الاجتماعي الديني الشيعي، وما تمثله من قيادة دينية اجتماعية لكل الشيعة، وثقل شعبي هائل، يشكل ـــ بحد ذاته ـــ دعماً تلقائياً غير مقصود للحركة الإسلامية الشيعية، لأن هذه الحركة ـــ كما ذكرنا ـــ جزءاً لايتجزء من الحالة الدينية والنظام الديني الشيعي، والأقرب عقدياً وفكرياً وثقافياً واجتماعياً للمرجعية الدينية.
3- الموقف الإيراني الداعم للحركة الإسلامية الشيعية، وهو موقف تعدّه جمهورية الفقيه مصيرياً ويرتبط بحالة الصعود الشيعي الإقليمي المشترك، وبالأمن الشيعي العام، وليس أمن الجمهورية الإسلامية وحسب.
4- حذر الرأي العام الشيعي العراقي والإقليمي من عودة الماضي الطائفي، وخاصة أن الوعي الشيعي التاريخي التراكمي الذي يصنع هذا الحذر، ليس وعياً سطحياً طارئاً. مايعني أن هاجس عودة الماضي الطائفي ليس هاجساً مصطنعاً أو وهمياً أو عاطفياً، بل يستند الى معطيات عميقة وواقعية.
5- فاعلية عناصر القوة الشيعية الداعمة لايديولوجيا الحركة الإسلامية الشيعية، والتي ذكرناها في فقرة سابقة.
ورغم كل العناصر الداعمة لموقف الرأي العام الشيعي الإيجابي الثابت من الحركة الإسلامية الشيعية، إلّا أن من الخطأ الفادح أن نتصور أن العناصر المذكورة ستبقى فاعلة الى ما لانهاية، فيما لو استمر أداء فصائل الحركة الأسلامية بمناسيبه السلبية الحالية، وهو مقتضى الموضوعية في فهم حقائق التغيير والاستبدال.
وأرى أن فصائل الحركة الإسلامية الشيعية العراقية التي مارست السلطة بعد العام 2003، تعاني من مشكلة خطيرة في مجال وعيها الجامد لثنائيات الرأي العام الشيعي العراقي، إذ لاتزال تراهن على عناصر الرأي العام الكامن والثابت، في اندفاع الجمهور الشيعي نحو دعمها في المنعطفات المصيرية، كالانتخابات البرلمانية، وهو رهان خاطئ وكارثي على المستوى البعيد؛ لأن مبدأ التغيير وسنة الاستبدال من شأنهما ضرب الدعائم التي تستند عليها الحركة الإسلامية الشيعية العراقية في رهاناتها على الرأي العام الكامن والثابت. أما الرهان الذي من شأنه تكريس الموقف الإيجابي للرأي العام الثابت من الحركة الإسلامية، فهو رهان الإنتاجية والأداء والنجاح والنزاهة في إدارة الدولة والسلطة، وإعادة بناء البلد وتقديم الخدمات للشعب.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here