كنوز ميديا / تقارير
جولة مكوكية جديدة اختار السفير الأميركي في العراق ماثيو تولر، أن يجريها بعد 24 ساعة من هجوم جوي مسيّر، كاد أن يُدمّر أجزاء كبيرة من مبنى السفارة الأميركية وسط العاصمة بغداد.
وفي سلسلة لقاءات منفصلة التقى تولر، وزير الدفاع العراقي جمعة عناد سعدون، لبحث “المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين البلدين”، حسبما أفاد بيان مقتضب نشرته الوزارة على موقعها الرسمي.
وقبل يوم من هذا اللقاء كان تولر قد عقد اجتماعاً في بغداد مع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في مكتب الأخير، جرى خلاله “بحث آخر المستجدات السياسية والأمنية في العراق والمنطقة، والعلاقات الثنائية بين بغداد وواشنطن، والتعاون المشترك في المجالات التي تخدم البلدين”.
وتطرق اجتماع الأعرجي وتولر إلى “الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الى الولايات المتحدة، والملفات التي سيناقشها مع الجانب الأمريكي، وسبل إنجاح هذه الزيارة، بما يصب في المصلحة المتبادلة بين البلدين”.
بيد أن مصادر سياسية مطلعة تحدّثت عن مجريات اللقاءين، اللذين جاءا في وقت تتعرض فيه المصالح الأميركية في العراق، إلى هجمات شرسة رداً على اعتداءات جوية أميركية، استهدفت مقار رسمية تابعة للحشد الشعبي، وأسفرت عن استشهاد أربعة من منتسبيه على الحدود العراقية السورية مؤخراً.
وتقول المصادر إن تولر يسعى من وراء جولته المكوكية، إلى التخفيف من وطأة استهدافات المقاومة الإسلامية، التي باتت تُصعّد من هجماتها وأساليبها القتالية ضد “قوات الاحتلال”، حتى وصل الحال إلى استخدام الطائرات المسيرة المفخخة في بعض الضربات.
ولم تقتصر جولة السفير الأميركي على لقاء وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي العراقيين، حيث كانت له مشاركة في مراسم إطلاق “برنامج التحقيقات بالجرائم المالية المعقدة” الذي عقد في بغداد أمس الثلاثاء، بحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، ومسؤولين آخرين.
وفي كلمة ألقاها خلال مراسم إطلاق البرنامج، قال تولر: “أعتقد أن شعب العراق يطالب حكومته علناً وبصراحة بمواجهة الفساد”، داعياً إلى “مواجهة المسؤولين الذين يضعفون البلد من خلال التفريط بثرواته”.
ويرى مراقبون للشأن السياسي أن تصريحات السفير الأميركي، تُمثّل “خروجاً عن الأعراف الدبلوماسية، وتدخلاً سافراً في الشأن العراقي”. كما أنها تتضمن كذلك “استهدافاً واضحاً وصريحاً لسياسيين عراقيين، وهو أمر خارج سياقات العمل الدبلوماسي”.
ويقول المحلل السياسي وائل الركابي إن “الحديث الدبلوماسي الذي ينطلق من اتفاقيات فيينا للأعراف الدبلوماسية، يتناقض مع تصريحات سفراء أميركا في بغداد، الذين نسمعهم تارة يستهدفون الحشد الشعبي وتارة أخرى يستهدفون المرجعية الدينية، فضلاً عن تدخلهم في الشأن الداخلي العراقي”.
ويضيف الركابي إن “الولايات المتحدة تحاول أن تظهر أنها أكثر أماناً على العراقيين في ملف محاربة الفساد، لكنها تناست على ما يبدو بأنها هي التي جاءت بمنظومة الفساد وأسست نظام المحاصصة”.
ويُحذّر الركابي من “مساعٍ مريبة لتسقيط بعض الشخصيات السياسية المتوقع نجاحها في الانتخابات المقبلة، عبر إخراج ملفات فساد قد يكون بعضها مفبركاً”.
وبموازاة ذلك، أعلنت السفارة الأميركية في بغداد أمس الثلاثاء، في بيان نشر على موقعها في فيسبوك، أنه: “في وقت مبكر من صباح يوم 6 تموز، تَفعَّلت المنظومة الدفاعية في داخل مجمع السفارة الأميركية في بغداد وقضت على تهديد جوي… نحن نعمل مع شركائنا العراقيين على التحقيق، وكذلك سنواصل اتخاذ جميع التدابير المناسبة واللازمة لحماية موظفينا ومنشآتنا”.
وفي هذا السياق يقول وائل الركابي، إن “الأميركان يتلاعبون بمصير العراق في شتى المجالات، ويجب أن يمنع السفير من اللقاء بوزراء أمنيين عراقيين، لأن ذلك ينطوي على مخالفة قانونية”.
ويردف قائلاً إن “الضربات التي استهدفت السفارة الأميركية ومواقع أخرى، تُثبت أن هناك شعباً واعياً يعلم بهذه التحركات، ولا يوجد أحد يستطيع السيطرة على مشاعر العراقيين ومنعهم من استهداف المحتل”.
ويؤكد الركابي أن “هناك رفضاً شعبياً ووطنياً للتواجد الأميركي في العراق”، محذراً في الوقت ذاته من “مشروع أميركي مرتقب في العراق يقوم على أساس الحرب الناعمة”.
وفي الخامس من كانون الثاني 2020، صوت مجلس النواب خلال جلسة استثنائية، على قرار يُلزم الحكومة بالعمل على جدولة إخراج القوات الأجنبية من العراق، ومنعها من استخدام أرض البلاد وسمائها ومياهها، لتنفيذ أية أعمال عدائية تجاه دول الجوار الجغرافي.
وجاء القرار في أعقاب تظاهرات مليونية غاضبة، طالبت بـ”طرد الاحتلال” لاسيما بعد عملية الاغتيال الغادرة التي طالت قادة النصر قرب مطار بغداد.
وقد تجددت الاحتجاجات العارمة، بعد مرور عام على الفقد الكبير الذي أحدثته الجريمة، إذ نظّم العراقيون بمختلف مذاهبهم وقومياتهم، تظاهرة مليونية غصّت بها ساحة التحرير ومحيطها في الثالث من كانون الثاني 2021، لتعلن بشكل رسمي أن الشهيدين سليماني والمهندس هما رمزان قد خُلِّدا في ضمائر العراقيين رغم أنف الراقصين على دمائهما.