كنوز ميديا / تقارير

مؤتمر بغداد، عقد وانتهى ببيان لدعم العراق اقتصاديا وأمنيا، لكن وبحسب مختصين فان المؤتمر كان فرصة نادرة للقاء المتخاصمين على أرض العراق، إضافة الى أنه ومع اقتراب الانسحاب الامريكي، شكل خطوة باتجاه تثبيت فرنسا أقدامها في بلاد النهرين، لاسيما وأنها ترى أمن بغداد وباريس مترابط، في ظل مساعي جميع تلك الدول الى درء خطر حركة طالبان الذي يعتبر مثار قلق للجميع وليس لدولة واحدة.
ويقول الخبير الاستراتيجي خالد المعيني في حديث له إن “مثل هذه المؤتمرات مهمة، لكن كنا نتمنى ان يعقد في ظروف ملائمة حتى تكون نتائجه ايجابية، فهذا المؤتمر عقد ولدينا مشاكل جمة، تحول دون حدوث انتقالة نحو الافضل، إذ ان الانتخابات ولادتها قيصرية ولغاية يوم امس كانت غير متحققة، ولدينا العديد من المشاكل الاخرى في البلد”.
ويضيف المعيني، أن “من عادة العلاقات الدولية أن تكون انعكاسا لوضع الدول، ووضعنا الان، هو تعدد مراكز القوى وانتهاك للسيادة وسلاح منفلت، وهكذا مؤتمرات لا تنسجم مع الوضع الداخلي، فهي مثل منح ملابس أنيقة لجسد غير مناسب”، مبينا أن “العراق بحاجة الى مؤتمر او قمة حقيقية داخلية، لجمع أشلاء الوطن وترتيب عقد سياسي جديد، لكي ندخل الانتخابات بحالة اطمئنان ويحدث تغيير ايجابي”.
ويلفت الى ان “القضية الاهم، ان هذا المؤتمر مبرراته غير معروفة، فلا توجد مقدمات له، وكانما الدول اتفقت على ان تجتمع في العراق فقط، فلا يوجد هدف حقيقي وواضح”.
وحول الحضور الايراني والخليجي في المؤتمر، يوضح المعيني، أن “هناك صراعا صينيا امريكيا، ولكل منهما حلفاء، فايران هي حليفة الصين ودول الخليج حليفة امريكا، والعراق هو النقطة الفاصلة بين المحورين”، متابعا ان “ايران تمت محاصرتها بطالبان من الشرق، وحضورها بهذا المؤتمر الذي يضم دول الخليج ومصر، الدول الحليفة للمحور الامريكي، يأتي لتصفية الحسابات، فيما يأتي الحضور الخليجي، بهدف ملئ الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الامريكي الفاعل”.
أما بشأن الدور الفرنسي، يبين أن “فرنسا تبحث عن دور في الشرق الاوسط، لان الولايات المتحدة خرجت، وهي تريد الدخول من الباب الخلفي، أي تبادل ادوار او ملئ فراغ”، منوها الى أن “فرنسا تخوض صراعا قويا في البحر المتوسط مع تركيا، وهي تطمح الى بسط نفوذها في محافظة نينوى، وتريد إنشاء قواعد عسكرية فيها”.

واختتمت عصر يوم أمس، اعمال مؤتمر بغداد، باستضافة 9 دول بالاضافة الى مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وقد أكد البيان الختامي، على دعم جهود الحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الدولة وفقا للاليات الدستورية واجراء الانتخابات النيابية الممثلة للشعب العراقي ودعم جهود العراق في طلب الرقابة الدولية لضمان نزاهة وشفافية عملية الاقتراع المرتقبة، وأقر المشاركون بأن المنطقة تواجه تحديات مشتركة تقتضي تعامل دول الاقليم معها على أساس التعاون المشترك والمصالح المتبادلة ووفقا لمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام السيادة الوطنية.
كما أشار البيان الى أن المشاركين أكدوا على دعم جهود حكومة العراق في اعادة الاعمار وتوفير الخدمات ودعم البنى التحتية و تعزيز دور القطاع الخاص، وكذلك جهودها في التعامل مع ملف النازحين وضمان العودة الطوعية الكريمة الى مناطقهم بعد طيّ صفحة الارهاب.
وشهد المؤتمر حضور قادة بعض الدول، فيما اكتفت اخرى بارسال ممثلين عنها على مستوى وزراء الخارجية، وكان الصف الاول من نصيب كل من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وامير قطر تميم بن حمد، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، العاهل الاردني عبدالله الثاني ونائب رئيس الامارات وحاكم دبي محمد بن راشد.
وقد جرى استقبال الضيوف من قبل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي ترأس المؤتمر ايضا، فيما استقبل رئيس الجمهورية برهم صالح الوفود بشكل منفصل واجرى معهم لقاءات ثنائية، وعقب انتهاء اعمال القمة، جرى اجتماع مغلق دعا له الكاظمي، دون حضور الاعلاميين وسفراء الدول.
الى ذلك، يبين الصحفي العراقي المعتمد لدى الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي “الناتو” حسين الوائلي في حديث له أن “جميع الدول اتفقت على دعم العراق اقتصاديا وامنيا، أي بمعنى تهدئة المشاكل، لكن هناك أهداف متعددة لكل طرف، والعراق استثمر هذه الفرصة لجميع الاطراف بهدف التهدئة”.
ويؤكد الوائلي، أن “القمة كانت فرصة لأن يلتقي الرئيس المصري مثلا بالامير القطري، نظرا لعدم وجود إمكانية لقائهم بشكل مباشر، والعراق كان الوسيط، وهذا الامر ذاته جرى بين الجانب الاماراتي والايراني، فبالتالي من الناحية العملية فان القمة جيدة”.
ويرى أن للقمة علاقة بما جرى في افغانستان، قائلا إن “ما حدث في افغانستان هو متغير اقليمي مهم، فأوجب على الدول ان تتعاون حتى تغلق هذا الجيب، فهو يشكل خطرا وقلقا لكل دول المنطقة وليس لدولة واحدة، فالامارات تتخوف كثيرا من الاسلام السياسي وكذلك السعودية، وحتى ايران ايضا نظرا للحدود المشتركة مع افغانستان، وهذه فرصة لتعاون الجميع لتطويق هذا الخطر المشترك”.
وبشأن الدور الفرنسي، يبين الوائلي ان “فرنسا تعتقد ان العراق منطلق مهم لامنها، فالامن العراق والفرنسي مرتبط معا، نظرا لوجود مقاتلين فرنسيين في التنظيمات الارهابية بالعراق، وفي ذات الوقت فان فرنسا تبحث عن حصة للاستمثار، خاصة اذا جرت تهدئة في العراق، وذلك بعد تدهور اقتصادها بسبب ازمة كورونا”.
ويردف “كما ان فرنسا تريد ان تستبق الاحداث بشأن الانسحاب الامريكي، إذ هناك ضرورة لان يغطي طرف هذا الموضوع، وهو محصور بين الفرنسيين او حلف الناتو، حتى لا يتكرر الخطأ في افغانستان”، مضيفا ان “هناك جانبا آخر، وهو ان فرنسا مهتمة بالموصل، فهي جيب جغرافي مهم، وعلى مقربة من الاتراك، خاصة وان هناك عداء كبير بين فرنسا وتركيا”.
ويوضح ان “وجود فرنسا قرب تركيا يخلق حالة توازن جيوسياسي، فتركيا متواجدة في شرق المتوسط وقرب قبرص، لذا تحاول فرنسا ان تتواجد شمال العراق”، مبينا ان “الوجود الفرنسي سيكون بدعم امريكي كبير، ولكنه مؤقت ولا يمتد لاكثر مما مرسوم له، ففي حال حصلت استثمارات، فامريكا ستوقف فرنسا في نهاية المطاف”.
وكانت حركة طالبان قد سيطرت على السلطة في افغانستان عقب انسحاب الولايات المتحدة منها بشكل كامل، حيث سلم الجيش الافغاني المدن لعناصر الحركة وانسحب بهدوء دون قتال، وذلك بالتزامن مع اعلان الرئيس الافغاني اشرف غني استقالته من منصبه وتسليم حارسه الشخصي القصر الرئاسي لعناصر الحركة.
ومنذ تولي الرئيس الامريكي جو بايدن لمنصبه في مطلع العام الحالي، بدأت بوادر انسحاب القوات الامريكية من دول الشرق الاوسط وكانت أولها افغانستان، ومن ثم تبعها بقرار مشابه بشأن القوات الامريكية في العراق، حيث اعلن عن ذلك خلال زيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى واشنطن في تموز يوليو الماضي، وتم تحديد نهاية العام الحالي لسحب كافة القوات القتالية الامريكية من البلد.
من جانب آخر، فأن العلاقة بين تركيا وفرنسا، شهدت بوادر انفراجة مؤخرا، حيث تأزمت سابقا على خلفية تدخل أنقرة في ليبيا، وهو ما رفضته فرنسا وادى الى انسحابها من حلف الناتو بصورة مؤقتة بعد الخلاف مع تركيا، الدولة العضو في الحلف أيضا.
يذكر ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد زار بغداد في 2 أيلول سبتمبر 2020، وأجرى لقاءات مع الرئاسات الثلاث، وقد حضر المسؤولين في كردستان الى بغداد لاجراء مباحثات مع ماكرون، الذي لم يغادر العاصمة واستغرقت زيارته ساعات فقط.
وعدت الزيارة، التي جاءت عقب زيارة وزير الجيوش الفرنسية الى بغداد، بانها انفتاح جديد لفرنسا نحو العراق، خاصة في المجالات العسكرية، بعد ان كان عملها ينحصر نوعا ما بالجانب الاجتماعي والاقليات.
وفي 19 تشرين الاول اكتوبر من العام الماضي، وصل رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي الى باريس، والتقى ماكرون، في خضم جولة اوروبية شملت فرنسا وبريطانيا والمانيا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here