قصة اغتيال الكاظمي (من الألف الى الياء) التفاصيل الكاملة لما قبل الحادث وما بعده
بقلم // سلام عادل
وقعت يوم الجمعة المصادف 5 / 11 جريمة قتل متظاهرين ينتمون لحركة عصائب أهل الحق، خلال تظاهرات اندلعت ظهر ذلك اليوم أمام بوابات المنطقة الخضراء، وكانت قوة من مغاوير عمليات بغداد قد اطلقت الرصاص الحي عند مدخل المنطقة الخضراء قرب الجسر المعلق، فيما اطلقت الرصاص قوة اخرى في نفس الوقت من حفظ النظام عند مدخل التشريع، وكانت العمليات الميدانية جميعها تُدار من قبل مجموعة الـ73، وهي مجموعة تابعة لجهاز المخابرات يطلق عليهم جماعة (الشهواني)، وهم من المجندين خلال فترة تحشيد المتطوعين في جيش تحرير العراق قبل احداث الغزو الامريكي، والذين يعتبرون القوة المؤسسة لجهاز المخابرات، وهي مسؤولة عن العمليات القذرة منذ عام 2003 بما فيها احداث اغتيالات غامضة وتهريب أثار، وهذا يشمل احداث قتل الشباب في تظاهرات تشرين 2019.
وفي اليوم التالي الذي صادف يوم السبت 6 /11 اجتمع الكاظمي صباحاً على الساعة 9 مع فريقه الخاص، وكانت كل المؤشرات تصب باتجاه عكسي من ناحية صعوبة التخلص من الإدانة التي سوف تطيح به، جراء قتل المتظاهرين، والذي تزامن مع تحرك عبر القضاء مسنود بالإدلة قام به الشيخ قيس الخزعلي، الأمر الذي جعل الكاظمي وفريقه يتخذون قراراً أولياً بالعمل على صناعة موجة تصعيدية معاكسة بأي وسيلة ومهما كانت التكلفة للتخلص من الإدانة وقلب المعادلة.
وعلى الساعة 12 ظهراً قرر الكاظمي الاستعداد بالكامل لمواجهة مع العصائب، لكن لم يتم تحديد طبيعتها ونوعيتها، وهو ما جعله يقرر اخراج (عائلته) إولاً، والمتكونة من زوجته وبنته الى خارج العراق، فتم اخراجهم سريعاً عبر مطار بغداد بطائرة صغيرة خاصة الى بيروت، وقام الكاظمي بنفسه الاتصال بمدير مطار بيروت لاستقبال العائلة وادخالها الى لبنان دون المرور بشكل رسمي عبر الجوازات، وذلك لاسباب أمنية، كما طلب الكاظمي.
استمرت المناقشات داخل مكتب الكاظمي حتى الساعة 6 مساءً، وحينها تقرر الاتفاق على تنفيذ خطة وصفها مشرق عباس مستشار الكاظمي بالخطة المجربة، لكونها مستلهمة من عمليات سابقة قام بها نشطاء واعلاميين، من حيث كونها تصنع موجة اعلامية واسعة وتتصدر نشرات الانباء وتستجلب التعاطف والتضامن الدولي، وهي خطة ترتيب محاولة اغتيال للكاظمي، حيث لطالما افتعلها نشطاء ومدونون بهدف الحصول على الحماية واللجوء السياسي.
وحتى الساعة 12 ليلاً كان الكاظمي ومشرق عباس يتحركان على نحو خاص جداً وسري لترتيب عملية الاغتيال، وقد حرصا حتى على عدم ابلاغ رئيس الجمهورية برهم صالح بهذا الترتيب حتى يخلق الحدث صدمة نفسية مدوية لاجل ان يحقق الحادث أهدافه، واكتفيا باستخدام الفريق احمد سليم قائد عمليات بغداد، وقائد الفرقة الخاصة اللواء الركن حامد الزهيري، بعد ان تم ابلاغ الاثنين بانهما متورطان بقتل المتظاهرين وأنهما قد يتعرضان للادانة من قبل القضاء، ولهذا عليهما ان يبذلا مجهوداً وينضما لخطة صناعة الموجة المعاكسة بهدف الحماية من المساءلة وافشال محاولات الادانة بخطوة استباقية.
وعلى الساعة 2 فجر يوم الاحد 7 /11 كان مسرح حادث الاغتيال المفبرك قد تم تجهيزه، حيث تم زرع عبوة ضغط صوتية على مدخل احد المنازل المتروكة من قبل مجموعة الـ73، وقام الفريق أحمد سليم بجلب مقذوفة سوداء منزوعة الحشوة من مخازن عمليات بغداد كانت قد تمت حيازتها في وقت سابق، وتم وضع هذه المقذوفة فوق سطح المنزل، كما ساهم اللواء حامد الزهيري بجلب سيارة متضررة من الخلف جراء حادث وقع قبل 7 أشهر في مرآب قيادة الفرقة الخاصة، حيث سقط صاروخ كاتيوشا كان يستهدف السفارة الامريكية في ذلك المرآب وتسبب بانفجار سيارة اخرى كانت مركونه خلف السيارة المتضررة ما تسبب باصابتها باضرار من الخلف.
وبعد ان اكتمل ديكور مسرح الجريمة تم تفجير العبوة الصوتية التي تسببت بضغط محدود ضمن محيط الانفجار اضافة الى اضرار بسيطة على الجدران وعلى احد الابواب والشبابيك وعلى الأرضية المحيطة، وهذا يتضح تماماً من مكان الانفجار الذي يبدو سطحياً وليس حفرة عميقة، بعد الانفجار بنصف ساعة والذي رافقه اطلاق نار عشوائي من قبل عناصر مجموعة الـ73، بالاضافة الى رشاش أحادية تم توفيرها من قبل قيادة الفرقة الخاصة، مرر مشرق عباس عبر رسالة نصية الى دسك الاخبار في قناة العربية الحدث بوقوع حادثة اغتيال الكاظمي.
وعلى الساعة الثالثة فجراً بدأ الموقف يتطور على الصعيد الاعلامي، ورغم ان فكرة الاغتيال كان الغرض منها إحداث موجة إعلامية معاكسة إلا ان كاظمي ومشرق عباس لم يخططا للتسويق الاعلامي لكونهما انشغلا كثيراً بالتحضير للحادث، وهو ما فتح باب التخبط، ففي اللحظة التي بدأت فيها وسائل الإعلام تتساءل قرر مشرق والكاظمي تصوير فيديو يظهر فيه الكاظمي لشرح ما حصل، وفِي نفس هذا الوقت المتسارع كان اللواء سعد معن يتصل بمشرق عباس باعتباره رئيس خلية الاعلام الامني وينبغي عليه تقديم موقف، وكذلك اللواء يحيى رسول باعتباره متحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، وذلك لكون مشرق عباس قد جعل مركزية التصريح بأي معلومات أمنية مرتبط به حصرياً وهو فقط من يوجه الناطقين والمتحدثين، ولهذا مرر مشرق عباس معلومات مختصرة عن استهداف بطائرة مسيرة وان رئيس الوزراء قد خرج سالماً لكن عدد من الحراس تعرض لاصابات، ففهم المتحدث سعد معن ويحيى رسول الواقع الصعب وصار كل واحد منهما يقدم معطيات من اجتهاده تختلف عن الاخر وهذا خلق اختلاف حتى باعداد المصابين ما بين 7 الى 10.
استمر كاظمي ومشرق عباس طوال نهار يوم الاحد يتواصلان مع السفارات العراقية في الخارج لاجل الحصول على مواقف دولية متضامنة، وكاد الارهاق والتعب يسقطهما في حالة الاعياء التام، وقرر مشرق تصوير مكان الحادث وتقديمه الى وسائل الاعلام المتعطشة في تلك اللحظة، مع أنه كان بالامكان عرض تصوير كاميرات المراقبة، والتي لوحدها كانت كفيلة باظهار ما وقع من هجوم عبر طائرة مسيرة وفق ما تم اعلانه، الا ان الحقيقه هي عدم توفر تصوير كاميرات مراقبة، لان المنزل كان متروك وليس فيه كاميرات، كما ان تصوير مكان الحادث لم يُظهر وجود دماء بشرية تؤكد تعرض بعض الحراس لاصابات.
ورغم ان اجتماع قوى الاطار التنسيقي مع الرئاسات وبحضور الكاظمي، والذي حصل مساء يوم الاثنين 8 /11، قد ألزم الكاظمي بتشكيل لجنة فنية للتحقيق بحادثة الاغتيال، إلا ان الكاظمي، ورغم مرور ثلاثة ايام على قرار تشكيل اللجنة، لم يقم بتشكيلها، ولَم يتم السماح لها بالاجتماع او التحقيق، ولن يسمح بفتح مسرح الجريمة المزعوم أمام المحققين من أي جهة كانوا، لان ذلك سوف يكشف حقيقة الانفجار الذي وقع بواسطة عبوة صوتية مزروعة وليس طائرة مسيرة، وان العملية لم تكن (اغتيال) وإنما (احتيال).