بقلم // عبد الهادي مهودر
يتبادل العراقيون اخبار دخول العواصف الترابية الى مدنهم الواحدة تلو الاخرى وسط استسلام تام للامر الواقع ، فيما يتواصل عقد الاجتماعات وتقديم الدراسات والبحوث والرؤى عن مخاطر الجفاف والتصحر في بلد يحب الاستعراضات ( الشو والداتا شو ) وبات الكل يطلقون التحذيرات بوجه المواطن الكريم ، فماذا على المواطن ان يفعل غير الجلوس في البيت وغلق الابواب والنوافذ وهو الذي لايملك غير الدعاء وخزان ماء صغير ؟ حتى اصبحت القضية مشابهة لحديث السياسيين عن ظاهرة الفساد التي تجعل المواطن يشك بنفسه وكأنه هو المقصود والمسبب لكن السياسيين يخجلون من مصارحته بالحقيقة ، ومن كثر الحديث عن اسباب الجفاف والتصحر بات المواطن العراقي قادرا على الظهور في القنوات الفضائية للحديث بطلاقة عن اسباب هذه الظواهر وطرح الحلول والمعالجات والرؤى كأي مختص وكأي محفوظة عن ظهر قلب ، ويمكن تقديم اي مواطن بصفة خبير ومحلل ستراتيجي في قضايا البيئة والمياه وفوائد المساحات الخضراء ، فالمواطن يعلم ان دول المنبع لاتراعي حصتنا المائية وتنشيء السدود وتغير مجرى الانهار ، وسمع ذلك مرارا وتكرارا من جميع السادة وزراء الموارد المائية والخبراء ومنذ عهود ما بعد الاحتلال البريطاني والاستقلال عن الدولة العثمانية، علما ان حكومات الشيخ عبدالرحمن النقيب الاولى والثانية والثالثة كانت تخلو من وزارة الري او الموارد لأن المياه في ذلك الزمان تجري وعين الله ترعاها ، ولأن تشكيل الحكومات في العهد الملكي كان اسهل من الماء ولاتعاني انسدادات سياسية ولا مائية كالتي نعيشها اليوم ، فقد حل عبدالمحسن السعدون بديلا عن عبدالرحمن النقيب حتى حصوله على الولاية الرابعة ، وكان تفكير العراقيين في ذلك الزمان منصباً على حصتنا النفطية وليس المائية ولم يدر بخلدهم ان برميل الماء يمكن ان يكون اغلى من برميل النفط وان الجفاف بمكن ان يضرب بلاد مابين النهرين ويمكن ان نمثل فيلم ( الظامئون ) ويصبح الري بالتنقيط والتقطير وتغزونا العواصف الترابية طولا وعرضا وينصحنا المتنبيء الجوي بعدم السفر ليلا عند هبوب العواصف ، وعلى الرغم من كل الجهود والمحاولات لايبدو ان شبح الجفاف سيغادر العراق بسهولة فدول المنبع تمسكنا من اليد التي توجعنا والى الأبد ودولة المصب تحت الرحمة ولاتقابل الجار بالمثل ولاتحل المشاكل المتعلقة بسوء استخدامنا للمياه وتحويلها الى سلة مهملات، وامانة بغداد تواصل سقي الزهور الرقيقة بخراطيم (التناكر) المتوحشة ثم تدعو المواطنين الكرام الى ترشيد استهلاك المياه.