بقلم/وسام أبو شمالة 

أقرّ الكنيست الإسرائيلي حلّ نفسه والتوجه نحو إجراء الانتخابات، في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، بعد أن فشلت حكومة رئيس وزراء العدو السابق، نفتالي بينيت، في المحافظة على الأغلبية النيابية، وتحقيق التجانس داخل حكومته، التي ضمت أحزاباً من أقصى اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار، ولا يجمعها سوى هدف واحد، هو منع بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة العدو الأسبق، من رئاسة الحكومة، نتيجة الخصومة الشديدة معه.

بدأ الانسداد في النظام السياسي للاحتلال الإسرائيلي منذ نهاية عام 2018، بعد أن قدّم وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، استقالته على خلفية عملية “حد السيف” في مدينة خانيونس في قطاع غزة، والتي نجحت فيها المقاومة في كشف خلية “سيرت متكال” العسكرية الصهيونية، وقتل قائدها. ومنذ ذلك الحين، دخلت “إسرائيل” في دوامة الانتخابات، والتي قد لا تنتهي في الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بل على الأرجح ستتلوها انتخابات سادسة، الأمر الذي سينعكس على البيئة الإسرائيلية، داخلياً وخارجياً، وسيزيد في حجم الانقسامات الداخلية والتحديات الخارجية.

تتصل أزمة النظام السياسي الإسرائيلي بأزمة المجتمع الإسرائيلي البنيوية، وفشل انصهار فئاته الاجتماعية والسياسية المتعددة، من شرقيين وغربيين، ويمين ويسار، ومتدينين وعلمانيين، في مجتمع واحد تعددي متجانس. وهي الأزمة التقليدية، التي رافقت المشروع الصهيوني منذ نشأته في أرض فلسطين، وسعى قادة العدو المؤسِّسون، ولاسيما ديفيد بن غوريون، لتحقيق نظرية الانصهار، إلّا أن مسار التناقضات والانقسامات قضت على دعوات الانصهار والتوحُّد، الأمر الذي زاد في هواجس قيادات العدو البارزة، أمثال بنيامين نتنياهو وإيهود باراك ونفتالي بينيت، وغيرهم، والذين كرّروا التحذيرات، من سيناريو تفكك “الدولة” الصهيونية، قبل أن تجتاز حاجز الـ 80 عاماً، والذي فشلت في اجتيازه دولتا يهودا والحشمونائيم، قبل آلاف السنين، بحسب زعمهم.

تُعَدّ أزمة النظام السياسي الإسرائيلي أحد مظاهر أزمة المجتمع الإسرائيلي الداخلية، فهي أزمة كاشفة لعوراته ومثالبه وتناقضاته، وليست منشئة له، الأمر الذي ينبئ بمزيد من الأزمات، التي لن تقتصر على الاستعصاء الحزبي/السياسي، بل ستتعداه إلى أزمات اجتماعية واقتصادية، وقد تؤدي، في مراحل متقدمة، إلى هروب رؤوس الأموال، والنخب العلمانية والليبرالية، التي باتت تخشى التحوّل في موازين القوى الاجتماعية والسياسية داخل الكيان لمصلحة التيارات الدينية، وتنامي الصهيونية الدينية المتطرفة في “إسرائيل“.

تطوّرُ الانقسامات الداخلية الصهيونية وصل إلى التباينات داخل كل فئة، فلم يعد اليمين الصهيوني كتلة صلبة، فالانقسامات البينية داخل كتلة اليمين، بين تيارات اليمين العلماني واليمين الديني الحريدي والصهيونية الدينية، تكاد تكون أكبر من الانقسامات بين اليمين واليسار. وباتت الحسابات والخصومات الشخصية أكبر من كل الاعتبارات الأيديولوجية والسياسية، وهو ما جسّدته الانتخابات الرابعة قبل نحو عام، حينما تشكّل تحالف “التغيير” من كتل لا تتفق على شيء إلا إسقاط شخص نتنياهو.

إلى جانب الأزمات، السياسية والحزبية والاجتماعية، فإن عبء تكرار الانتخابات، وعدم الاستقرار، انعكس على الحالة الاقتصادية، الأمر الذي قد يُضعف الثقة بالاقتصاد الإسرائيلي. فالاستقرار السياسي يؤدي إلى استقرار وتنمية اقتصاديَّين، والعكس صحيح.

يواجه العدو عدداً من التهديدات في مختلف الجبهات، وستشكل الأزمة الداخلية تحدياً أمام حكومة يائير لابيد، في مواجهة التهديدات الأمنية، في ظل مستوى تصعيد يرتفع بالتدريج، في كل الجبهات، وسياسةٍ أمنية غير متسقة، ولا تعكس إلّا حالة الانقسام، تجاه كل الملفات.

نتيجة تعاقُب الحكومات الإسرائيلية، وتوليها فترات انتقالية، واحتدام الصراع الداخلي، لم تتمكن من صياغة مواقف وسياسات تعالج الملفات الاستراتيجية، مثل التهديد الإيراني، والتهديدين في الجبهتين الفلسطينية والشمالية. فالتوجهات الإسرائيلية، على المستويين الأمني والسياسي، تجاه الملف النووي الإيراني، لا تبدو موحَّدة. وهي بين رأيين: الأول يعدّ الاتفاق فرصة، والثاني يعدّه تهديداً، الأمر الذي انعكس تجاه الانقسام بشأن الفعّالية والجدوى لعمليات الاغتيال واستهداف المصالح الإيرانية التي ستدفع إيران إلى الانتقام، ولن تحبط مشروعها النووي.

قُبَيل تسلّم رئيس وزراء العدو، يائير لابيد، مقاليد الحكم، برزت قضيتان مهمّتان: الأولى في الجبهة الشمالية، وتهديدات حزب الله اللبناني، والتي أعقبت إعلان العدو التنقيب عن الغاز في حقل كاريش في البحر المتوسط. والثانية في الجبهة الفلسطينية، بعد نشر حركة حماس شريط فيديو لأحد الجنود الإسرائيليين الأسرى، وهو هشام السيد، الأمر الذي أعاد قضية الأسرى الإسرائيليين إلى الواجهة مجدداً. وتبقى الجبهة الفلسطينية، وتحديداً قطاع غزة، الجبهة الأقل استقراراً، والأكثر قابلية للاشتعال.

على الرغم من أهمية الملفات السياسية والأمنية المطروحة في أجندة العدو، فإنّ الحكومات الانتقالية، من الصعب أن تعالج ملفات استراتيجية، الأمر الذي يُبقيها عالقة، وهو ما قد يدفع قطاعات داخل “إسرائيل” إلى التظاهر والاحتجاج نتيجة تصاعد الاستعصاء الداخلي، والفشل في معالجة القضايا الاستراتيجية. كما أن تكرار الانتخابات يزيد في حالتَي الاحتقان والاستقطاب، وفي مظاهر العنصرية، ولاسيما تجاه فلسطينيي الداخل المحتل في اراضي ال48، والذين باتوا يتمسكون، بصورة أعمق، بهويتهم الوطنية الفلسطينية في مواجهة العنصرية الإسرائيلية المتنامية.

تتّجه الساحة الإسرائيلية إلى انتخابات خامسة، ويتجه معها استعصاء داخلي إسرائيلي، يصاحبه انقسام في المستويين العمودي والأفقي. وتُعَدّ الحالة الراهنة غير مسبوقة إسرائيلياً منذ “نشأة” الكيان، الأمر الذي يؤكد أن التهديد الداخلي الإسرائيلي، بفعل الانقسامات والخلافات وغياب الاستقرار السياسي، بات يشكّل خطراً حقيقياً على الكيان.

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here