بقلم// عادل الجبوري
مع كل أزمة أو مشكلة أو تصعيد من نوع ما، تثار مسألة التهديدات الأمنية لبعض دول الجوار، مثل إيران وتركيا بالدرجة الأساس من داخل الاراضي العراقية، وتحديدًا من إقليم كردستان.
وارتباطًا بالحملات العسكرية التي نفذتها قوات من الحرس الثوري الايراني قبل بضعة أسابيع ضد مجاميع ارهابية معارضة داخل الاراضي العراقية، أطلقت طهران عدة رسائل بهذا الخصوص. الرسالة الأولى جاءت على لسان وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان خلال لقائه وفدًا أمنيًا عراقيًا برئاسة مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي، حيث قال الوزير إنّ بلاده “تنتظر من بغداد ألّا يكون تراب منطقة كردستان مكاناً للعمليات الإرهابية والتهديدات لإيران، ويجب أن تتحمل كل من بغداد وأربيل المسؤولية الكاملة عن التصدي للجماعات الإرهابية والانفصالية في منطقة كردستان العراق“.
والرسالة الثانية جاءت على لسان رئيس أركان القوات المسلحة الايرانية اللواء محمد باقري، بقوله “لا يمكننا أن نتحمل أبدًا وجود ثلاثة آلاف مسلح، ولديهم مركز لصنع القنابل، خلف جدارنا الحدودي، وسنتصدى لهم عبر كل السبل”، في اشارة إلى الفصائل والجماعات الارهابية المعارضة، التي تتخذ من الاراضي العراقية في الشمال موطئ قدم لها منذ أعوام طوال.
والرسالة الأخرى، وجهت من قبل البعثة الايرانية الدائمة في الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي، وجاء فيها “أن إيران هي من كبار ضحايا الارهاب طوال أكثر من أربعة عقود، وأن الجماعات الانفصالية الارهابية مثل جماعة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وجماعات “بيجاك” و”كوملة” و”باك” متواجدة في اقليم شمال العراق وتتخذ من أرض العراق منطلقًا للهجمات الارهابية والمسلحة ضد المواطنين والبنى التحتية الايرانية. هذه الجماعات المسلحة التي تصنفها القوانين الإيرانية بأنها جماعات إرهابية، لديها عدد من مخيمات التدريب على الإرهاب داخل الأراضي العراقية وفي اقليم شمال العراق من أجل استعمال وتدريب وتحريض وتخطيط ودعم وتنفيذ الهجمات الارهابية والعمليات التخريبية في داخل الأراضي الايرانية“.
والعراق بنظامه السياسي الحالي، يؤكد أن دستوره يمنع استخدام أراضي البلاد للاعتداء على الجيران أو على أي طرف خارجي، بما يهدد أمنهم القومي، فضلًا عن ذلك فإن مختلف الساسة والمسؤولين الرسميين العراقيين غالبًا ما يشددون على رفضهم القاطع أن تكون أراضي بلادهم مقرًا أو منطلقًا للجماعات المسلحة أيًا كانت أهدافها ودوافعها ومبرراتها. وقد نجح العراق بإخراج منظمة “خلق” الإيرانية الإرهابية، وتصفية كل وجودها على الأراضي العراقية في عام 2011، علمًا أن تواجد الجماعات الإرهابية المعارضة لنظام الحكم الاسلامي في إيران على الاراضي العراقية يعود إلى الاعوام الاولى لانتصار الثورة الاسلامية ربيع عام 1979، إذ أنه بعد اندلاع الحرب بين الأخيرة والعراق، عمد المقبور صدام حينذاك إلى احتضان الآلاف من قيادات وعناصر منظمة “خلق” الإرهابية، وهيأ لها مختلف الامكانيات العسكرية والمالية واللوجستية، ليستخدمها أداة في حربه ضد إيران، ولقمع معارضيه فيما بعد.
وكان مجلس الحكم المنحل في كانون الاول 2003، قد أصدر قرارًا يقضي بـ:
1- طرد عناصر منظمة “مجاهدي خلق” الإرهابية من الأراضي العراقية وخلال فترة أقصاها نهاية العام الحالي أي عام 2003.
2- إغلاق مقرات المنظمة ومنع عناصرها من ممارسة أي نشاط لحين مغادرتهم.
3- مصادرة أموالها وأسلحتها وضمها إلى صندوق التعويضات.
بيد أن ذلك القرار لم يجد طريقه للتطبيق لتقاطعه مع إرادة وأجندة الاحتلال الأميركي في ذلك الوقت.
وقبل ذلك، فإن خروج اقليم كردستان العراق من قبضة السلطة المركزية في بغداد بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، والصراعات المتواصلة بين القوى الكردية العراقية، ساهم بتوسع وترسخ وجود الجماعات الإرهابية المسلحة في العراق، ومن ثم ليتعزز ذلك الوجود بفضل الاحتلال الأمريكي عام 2003، وما ترتب عليه من حضور عسكري كبير في إقليم كردستان، إلى جانب مظاهر الحضور الأمني والاستخباراتي الواسع لواشنطن و”تل أبيب” وأطراف أخرى.
ومثلما يريد العراق ضمان وصيانة أمنه الوطني، ويرفض استهدافه من قبل أي طرف، فإن جيرانه من حقهم أن يطالبوا بنفس الشيء، مع التأكيد أن انتهاك السيادة الوطنية العراقية أمر مرفوض، بنفس القدر الذي يفترض أن تعالج فيه مسألة تواجد الجماعات والتنظيمات المسلحة التي تهدد أمن الآخرين من داخل الأراضي العراقية.
إلى جانب ذلك، فإن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بجوانبه المختلفة، ينبغي أن يكون أحد الثوابت الوطنية في التعامل وبناء العلاقات مع المحيط الاقليمي، والفضاء الدولي على وجه العموم، لأن التجارب السابقة أثبتت أن الاصطفاف مع طرف ما ضد طرف آخر، لا بد أن تكون له انعكاسات وآثار كارثية خطيرة عاجلًا أم آجلًا.