بقلم/ محمود الهاشمي
تعد عملية تسمية الأماكن العامة والمباني الحكومية والشوارع، واحدة من الدلالات المهمة في دول العالم، حيث أن أول ما يشد الانسان الزائر لهذا البلد أو ذاك، تلك التسميات المثبتة في مداخل الشوارع والمدن والأحياء العامة والمباني الحكومية والمدارس والطرقات والساحات العامة.
أن كل اسم يثبت يحمل رمزية ولا بدَّ للذي قرر ان يثبته من هدف سواءً كان مسؤولا حكوميا أو سياسيا أو شخصية عامة لهذا تأثير في القرار.
الاسماء التي تثبت ويتم اقرارها حتما لها رمزية عند صاحب القرار سواءً كان الاسم بطلا قوميا أو شاعرا كبيرا أو داعية أو أثرا حضاريا …الخ.
التسميات احيانا تتعرّض الى التغيير وفقا لسياسة الدولة ومزاج الحاكم، وخاصة بعد التحولات السياسية الحادة أو بعد التحرر من نير الاستعمار، وهي حالة مألوفة لدى شعوب الأرض، فمثلا كان شارع الجمهورية في بغداد اسمه (شارع غازي) تيمناً بالملك غازي في العهد الملكي ولكن بعد ثورة (14) تموز، تم تغييره الى (شارع الجمهورية).
هناك لجان في كل بلد تهتم بتسمية الشوارع خاصة في (البلديات) وهذه اللجان تستوحي المسميات وفقا لتوجهات الدولة ولا تخرج عنها، وتضم اللجان شخصيات ثقافية وفكرية ولغوية حتما، وتقترح جملة من الاسماء قبل ان يتم انشاء الأحياء والشوارع والمؤسسات احيانا وهي حالة حضارية، لان الموقع الذي لم تعجّل الدولة بإطلاق اسم عليه يبادر المواطنون الى اطلاق تسمية ربما لا تليق .
الطالب الذي يتم التحاقه بالمدرسة أول ما يشده اسم المدرسة ومازلنا جميعا نحفظ اسماء مدارسنا بالابتدائية لما لها من تأثير ومدلول في نفوسنا، فمثلا أنا أول مدرسة التحقت بها كان اسمها (الجنائن) اعتزازا واحياءً للصرح الحضاري (الجنائن المعلقة) وهكذا.
وعندما يكون اسم المدرسة (مدرسة الجواهري) أيضا ينشد الطالب لاسم الشاعر الكبير الجواهري، محاولا ان يجعل منه رمزاً في حياته وشخصيته وقدوة له، ويرى في شعره أنموذجاً لمشروعه الأدبي فيما لو أصبح شاعرا فيما بعد .
في السعودية لجنة عليا لتسمية الشوارع واعادة النظر بأية تسمية قديمة أو فيها نظر، وهذه اللجنة العليا تدعى (لجنة التسمية والترقيم) فهي من تتولى اختيار اسماء الشوارع بناءً على توصية من وزارة الشؤون البلدية والقروية والامانات والبلديات التي أكدت عام 1406 على ان تستعين اللجان بمعجم اسماء الشوارع والذي شارك بأعداده نخبة من الأدباء والمؤرخين والأكاديميين .
اذن المملكة العربية السعودية لم تطلق الاسماء على مؤسساتها وشوارعها ومدارسها جزافا أو اجتهادا انما تخضع لعملية دقيقة ومدروسة وعلى وفق أهداف معلومة .
ان مجرد جردة سريعة لما تيسر من اسماء الشوارع تقرأ (مدرسة هند بن عتبة ومدرسة أبو سفيان بن حرب ومدرسة معاوية بن ابي سفيان ومدرسة يزيد بن معاوية ومدرسة الحجاج بن يوسف الثقفي وعمرو بن العاص وصولا الى مؤسسة ابي لهب).
هذه الاسماء (المفزعة) للمسلمين بأصقاع الارض هي رموز دينية ووطنية وقيمية بالنسبة للمملكة العربية السعودية.
لا شك، ان هذه الشخصيات ومن أمثالها الكثير لا يعاب عليها في أدبيات وخطب ومؤلفات القريبين من حكام المملكة بل تجد لها تاريخا وثقافة تختلف عنا كثيرا وغالبا ما يصب لصالحها وفي نهاية الاسم (رض).
الطالب أو الانسان في المملكة يسمع المديح يكال على هذه الشخصيات لدرجة يصح ان تكون رمزاً للأمة .
فاذا طالع الطالب السعودي حياة يزيد مثلا ووجد انه قاتل أهل البيت (ع) ومستبيح المدينة وراجم الكعبة وشارب الخمرة وتارك الصلاة، فحتما سيقتدي بهذه الشخصية، لذا لا عجب ان تكون حصة العراق خمسة آلاف انتحاري قتلوا بتفجير أنفسهم بين محبي أهل البيت (ع)، كما لا عجب ان تشهد هذا العداء من حكام السعودية لإيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان ولكل مسلم بالعالم .
ولا عجب ان يُقطع رأس الشيخ النمر لأنه في مفهومهم (ثار على حاكم زمانه) ويجب ان يعاقب مثلما فعلوا بالإمام الحسين “ع”، ولا عجب ان يقطّع جسد خاشقجي لمجرد ان خالف رأيهم .
فاذا كان الحجاج وابو لهب وهند بنت عتبة رمزاً لشعب الحجاز فاقرأ على الدين السلام، بالمناسبة حتى ان ابن تيمية لم يتطرّف في التذكير بيزيد مثلما تطرّف آل سعود (قال شيخ الإسلام ابن تيمية، كما في مجموع الفتاوى: وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ مُعْتَقَدُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ: أَنَّهُ لَا يُسَبُّ، (يريد) وَلَا يُحَبُّ. قَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: “قُلْت لِأَبِي: إنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: إنَّهُمْ يُحِبُّونَ يَزِيدَ. قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَهَلْ يُحِبُّ يَزِيدَ أَحَدٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؟ فَقُلْت: يَا أَبَتِ، فَلِمَاذَا لَا تلعنه؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَمَتَى رَأَيْت أَبَاك يَلْعَنُ أَحَدًا؟) والغريب ان مذهب حُكام السعودية هو (الحنبلي).
نذكَر ان ثلاث مدارس بالسعودية باسم يزيد وشارع رئيسٍ في جدة. ورب سائل يسأل؛ هل ان الشعب السعودي موافق على هذه التسميات؟ الجواب بان رجال دين ونخباً مثقفة وإعلاميين ومواطنين يحتجون ولكن الرد يأتي قاسيا فيصمتون.