بقلم / عبد الخالق الشاهر

انها قرار من السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى مستند الى المادة 403 من قانون العقوبات النافذ يطلب فيه من المحاكم العراقية المختصة “اتخاذ الإجراءات المشددة” بحق من يرتكب “جرائم نشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة والذي نود مناقشته هنا مسألة أن لا قانون متكامل ولا توصيات منتجة ان لم تقترن بتحديد المفاهيم ، وسأضرب مثلين على ذلك اولهما اني سبق ان قدمت مقترحات للرئيس الاسبق صدام حسين خلال مقابلتي له مع المواطنين كان من بينها ما نصه ” امر سيادتكم عام 1986 بأن الضابط غير المثقف ينبغي ان يستبعد من مناصب القيادة والأمرة وبشدة ، ولعل ذلك لم ينفذ رغم مرور عقد ونصف من التوجيه اعلاه بسبب اننا لم نضع توصيفا دقيقا لمفهوم المثقف” ، والمثل الثاني يكمن في قانون مكافحة الارهاب والذي قيمته لجنة الارهاب في مجلس الامن الدولي على انه قانون يسمح للسلطة بأن تنزلق الى محاكمات سياسية لخصومها السياسيين بسبب عدم تحديد مفهوم الفعل الارهابي ..

اين السياسة في الموضوع ؟؟

هناك القانون المدني ، وهناك قانون العقوبات ، وهذان القانونان جاهزان للاستجابة لمعظم الامور فالقانون المدني مثلا يتعامل مع المتعاقدين على اساس ( العقد شريعة المتعاقدين ) اجرتك بيتي لسنتين بموجب عقد بعد السنتين تغادر حتما .. اضطرت الحكومة في سبعينيات القرن الماضي الى تشريع قانون خاص ( قانون ايجار العقار) يقضي بأن المؤجر لا يحق له اخلاء المأجور وطبعا هذا يعد خرقا للقانون المدني .. صحيح ان قانون الايجار كان مطلوبا حينها ، ولكن هل يعني ذلك ان قانون الايجار صح والقانون المدني خطأ ؟؟ كلا بالتأكيد رغم ان القاعدة تقول ( الخاص يقيد العام ) ولكن اين تكمن ضرورة قانون الايجار حينها ؟؟ لا شك انها تكمن في ندرة المعروض من العقارات للإيجار وكثرة الطلب (ازمة سكن) .. فهل ان صاحب الدار مسؤول عن معالجة هذه الحالة ؟؟ ام ان الدولة هي المسؤولة عن خلق التوازن بين العرض والطلب بوسائلها المتعددة ، وليس شريحة من المواطنين .. اليس في ذلك سياسة ؟؟ .

اما قانون العقوبات العراقي العتيد كونه شرع وقتما كانت بغداد ولاية فسمي بقانون العقوبات البغدادي فهو يعالج عقوبة من اطلق ركائب صوت مسيرها يزعج السكان الى الجرائم التي حكمها الاعدام فهل هناك داع لتشريع قانون الارهاب او توصيات المحتوى الهابط او قوانين العدالة الانتقالية ؟؟ كلا بالتأكيد ، ولكن الاهداف السياسية قد تكون وراء كل ذلك ، فقانون الارهاب مثلا لم يحدد مفهوم الفعل الارهابي ولكنه اكد على حماية السلطة (( كل فعل قام به شخص كان له سلطة الامر على افراد القوات المسلحة وطلب اليهم او كلفهم العمل على تعطيل اوامر الحكومة)) و ((كل فعل يتضمن الشروع بالقوة او العنف في قلب نظام الحكم )) .. بربكم اين الارهاب في هذه النصوص ؟؟ وهل هناك داع لدمج الجرائم المتعلقة بأمن الدولة مع الافعال الارهابية ، ؟؟ وهذا ما ينطبق على العقوبات الجماعية بالتجويع مدى الحياة التي شرعها مجلس النواب وأطلق عليها قوانين العدالة الانتقالية .

نقطة اخرى مهمة وهي ان السلطة التقديرية للقضاة اينما كانوا لا يجوز التدخل فيها بطلب التشديد او التهاون من لدن السلطات الثلاث كونها تخل باستقلال القضاء الذي ينبغي ان يكون مطلقا ولا سلطان على القاضي الا للمحاكم الاعلى ، وهو وحده الذي يقدر الضرف المشدد من عدمه ، خلاف ذلك فأن القضاة سيحكمون بأقصى عقوبة اتاحها لهم القانون بوجود او عدم وجود ضرف مشدد ، لأن التشديد وردهم بصيغة امر . وقلص بشكل غير مباشر سلطاتهم التقديرية .

حرية الرأي وحق التعبير امران مكفولان دستوريا ، ولعلنا لا نعلم ان الدول المتطورة في هذا الجانب لا تتدخل بما ينشر او يقال مطلقا بينما نحن نتصور العكس فتثور ثائرتنا على الدولة الفلانية لأتها سمحت بنشر صور مسيئة للنبي محمد (ص) بينما تلك الدولة لا تتمكن من اجبار الرسام على الغاء تلك الصور لأن دستورها لا يسمح لها بذلك .

اين يكمن خوفنا كمواطنين من التوصيات اعلاه ؟؟

اولا . قد تساهم في تحصين مؤسسات الدولة من النقد الهادف والبناء من خلال ذكر الاساءة للمواطنين ومؤسسات الدولة فمن يضمن لي عندما انقد او أوضح فسادا في الدائرة الفلانية ان لا يعده القاضي عمل غير اخلاقي او اساءة لمؤسسات الدولة ؟؟ وبالتالي سأقوم بمغادرة نقد تلك المؤسسات الفاسدة ( لا تدوس على الجني ولا تقل بسم الله) ، وبالأمس يحث السيد السوداني المواطنين على التعاون مع الدولة في كشف الفساد

ثانيا. لا بد من تحديد مفهوم ( الذوق العام ، الآداب العامة ، غير الاخلاقية) كي يعرف الكتاب والاعلاميين حجم المساحة التي تركت لهم كي يمارسوا حقوقهم الدستورية في التعبير عن الرأي ، ولابأس من اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا او مجلس الدولة لتفسير نص المادة 403 من قانون العقوبات ، وفي حالة كون التفسير يوحي بأن تلك المادة تتعارض مع الدستور او روح العصر خصوصا وأن عمرها قد يتجاوز ثلاثة ارباع القرن فيمكن تعديلها من لدن مجلس النواب او الادعاء العام المسؤول عن دستورية القوانين ، وتطوير القوانين مع تطور الحياة والمجتمع .

ثالثا. مغادرة حالة تحصين مؤسسات الدولة من النقد كما ان كل قراراتها غير محصنة من الطعن ، فمثلا .. ألا ينبغي ان نلوم وزارة الثقافة وشبكة الاعلام العراقي على انتشار المحتوى الهابط ، وكذلك نتهم كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية من رياض الاطفال الى الدكتوراه ووزارتي التربية والتعليم العالي ، والأحزاب المتنفذة وجماهيرها على المحتوى الهابط

رابعا . آلاف الاطنان من المخدرات تدخل البلد وتخرج منه ، ووزارة الداخلية ما زالت تحاول ، المخدرات المذهبة للعقل ، وفي نفس الوقت تقوم الوزارة بمكافحة المحتوى الهابط

خامسا . كم حالة مذهبة للعقل تجابه الانسان العراقي وتخلق المحتوى الهابط ؟؟ مئات ؟؟ الاف؟؟ الله اعلم .. البطالة .. الجوع .. الظلم .. المخدرات .. التجهيل .. الرشوة .. الفرهود.. ضعف وسائل التنشئة .. ألخ ؟؟ هل كل ذلك يحل بتشديد الاحكام على المحتوى الهابط ، وتحصين مؤسسات الدولة من النقد ؟؟ ام اننا بحاجة الى وضع استراتيجية شاملة لدرء الاسباب المؤدية لانخفاض مستوى الذوق العام لشعب ضبط متلبسا بتعاطي المخدرات مرتين فقط للفترة من 1958 – 1991 بموجب بحث حضرت مناقشته عام 1992.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here