زكاة فطرة الضيف

بقلم // حسن عطوان

🖊️ بعد أنْ نشرتُ فجر اليوم موضوع ( أحكام زكاة الفطرة ) ، جاءتني أسئلة كثيرة حول النقطة التي أشرتُ فيها الى وجوب دفع المُضَيّف زكاة فطرة ضيفه .

وظهر لي من تلك الأسئلة أنَّ الحكم بوجوب ذلك على المضيّف وإنْ كان معروفاً ومُسَلَّماً ، لكن المراد من الضيف الذي يجب إخراج ودفع زكاة الفطرة عنه ليس واضحاً عند كثير من المؤمنين ، الأمر الذي رأيت معه أنّه لابد من التوضيح .

🖊️ فأقول : هناك عنوانان :

◀️ الأول : هو عنوان كون إنسان ما ضيفاً على آخر ، وهذا يَصْدُق على كل مَن نزل ضيفاً عند آخر ليلة عيد الفطر ، وإنْ لم يبت عنده ، بل وإنْ لم يأكل أو يشرب شيئاً .

◀️ والثاني : هو عنوان العيلولة ، أي أنَّ إنساناً ما يُعَدّ من عيال آخر ، ولو مؤقتاً .

والمراد من العيلولة : التكفل بتأمين مؤونة الضيف من أكل وشرب ونحو ذلك ، كواحد من عياله ، ولو في ليلة ضيافته فقط ، فعندما يُقال : أنَّ فلاناً معيل بفلان ، فمعنى ذلك أنّه يتكفل بمعيشته ويتولى أموره ، سواء كان ذلك بنحو دائمي او بنحو مؤقت ، ولو كان ذلك لليلة واحدة .

فالضيف إنّما يَصْدُق عليه أنّه من عيال مضيّفه عندما يكفيه المضيّف مؤونته من مأكله ومشربه ومنامه وسائر ما يحتاج إليه.

أمّا اذا لم يتكفل المُضيّف ذلك ، كما لو جاء الضيف ليلاً وبات وخرج صباحاً من غير أنْ يتكلّف المضيّف شيئاً ما عدا منامه ، فهو يصْدق عليه أنّه ضيف ، ولكن لا تصدق العيلولة .

🖊️ وفي هذه المسألة عدة أراء ، أهمها رأيان:

◀️ الأول : إنَّ وجوب إخراج ودفع زكاة فطرة الضيف على المضيّف يكفي فيه مجرد صدق عنوان الضيف على مَن نزل عند آخر في ليلة العيد .

◀️ الثاني : إنَّ صدْق عنوان الضيف لا يكفي لوحده في ثبوت وجوب إخراج ودفع الزكاة على المضيف ، بل لابد من صدق العيلولة أيضاً ( 1 ) .

🖊️ والفارق بين الرأيين :

◀️ هو أنَّه على الرأي الأول يجب دفع زكاة فطرة الضيف على المُضيّف ، ويَصْدق عنوان الضيف بمجرد إفطار صائمٍ عند آخر ، بل قد يتحقق عنوان الضيف بمجرد زيارة شخص لآخر ليلة العيد ، ولو لم يأكل ولم يشرب شيئاً .

◀️ أمّا على الرأي الثاني ، فلا يكفي صدْق عنوان الضيف ، بل لابد من صدْق العيلولة ، أي لابد من صدق كون الضيف صار من عيال المُضيّف ولو بنحوٍ مؤقت ، كما لو نزل الضيف عند مضيّفه ليلة العيد ، وكفل المُضيّف شؤونه ومؤونته في تلك الليلة ، فهنا تصْدق العيلولة .

🖊️ وعليه فإنَّ أصحاب هذا الرأي يروَن أنَّ مجرد ضيافة شخص عند آخر من دون أنْ يُعتبَر عرفاً من عياله ولو مؤقتاً ، لا يحقق موضوع وجوب دفع زكاة هذا الضيف على مُضيّفه ، وبالتالي لا يجب على المُضيّف دفع زكاة فطرته ( 2 ) .

🖊️ ويوجد شبه إتفاق عند فقهائنا المعاصرين بإشتراط صدق العيلولة ، أي أنَّ الضيف الذي يجب دفع زكاة فطرته على المُضيّف : هو مَن نزل عند مضيّفه في ليلة عيد الفطر ، وصدَقَ عليه أنّه من عياله ولو مؤقتاً ، بأنْ كفل المضيّف مؤونته ، وما يحتاجه كضيف ، كعياله في تلك الليلة .

فلا يكفي صدق عنوان الضيف فحسب ، فلو أنّ الضيف قد أفطر عند المُضيّف فقط وخرج ، فإنّه يَصْدق عليه أنّه ضيف ، ولكن ذلك لا يكفي لثبوت وجوب دفع زكاته على المضيّف ؛ حيث لم تصدق العيلولة .

🖊️ وبعبارة : أنَّ الضيافة بعنوانها لا خصوصيّة لها ، فلو تجرّدت عن العيلولة كما لو كان ضيفاً في مجرّد المبيت ، بحيث إنَّ المُضيّف لم يكن مسؤولاً عن أيّ شيء يرجع إليه ما عدا منامه ، فلا يجب على المضيّف دفع زكاة فطرة ذلك الضيف ، بل لو دفعها فإنّها لا تجزي عن الضيف ، ويجب على الضيف أنْ يدفع زكاة نفسه .

🖊️ وبعبارة موجزة :

في المسألة صور ثلاث :

◀️ الأولى : ما لو لم يتكفل المضيّف شؤون الضيف ، عدا منامه ، فهنا حتى لو بات الضيف عند المُضيّف ، فلا يجب على المضيّف دفع زكاة ذلك الضيف ؛ لعدم صدق العيلولة .

◀️ الثانية : ما لو كان الضيف قد أفطر عند مضيفه وخرج ، فكذلك لا يجب على المضيّف دفع زكاة فطرته ، لعدم صدق العيلولة أيضاً .

◀️ الحالة الثالثة : يكون المضيّف فيها متكفلاً لشؤون ضيفه ومسؤولاً عنها ، بحيث يصير الضيف كأحد أفراد عائلة المضيّف في تلك الليلة ، فتَصْدُق العيلولة ، ففي هذه الحالة فقط يجب على المُضيّف إخراج زكاة فطرة ضيفه ، بل لو دفعها الضيف فلا تجزي عنه .

🖊️ ومن الفقهاء مَن يقول : إنَّ صدْق العيلولة لا يتوقف على الأكل ، فلو كان المضيّف قد كفل سائر شؤون وحاجات الضيف وبات عنده ، ولكن الضيف لم يأكل لعدم حاجته للأكل مثلاً ، فهنا تصْدق العيلولة ، ويجب على المضيّف دفع زكاة فطرة ضيفه .

🖊️ ويوجد خلاف آخر : وهو أنّه اذا نزل الضيف عند مضيفه بعد ثبوت الهلال ودخول تلك الليلة ، وتحققت العيلولة ، فهل يجب على المضيّف إخراج ودفع زكاة فطرة الضيف ؟؟

أو أنَّ الوجوب مختص بمَن نزل ضيفاً قبل ثبوت الهلال ؟؟

◀️ بعض الفقهاء قالوا : أنَّ الضيف لو نزل عند مضيّفه بعد ثبوت الهلال ودخول الليلة ، فهنا لا يجب على المُضيّف دفع زكاة فطرة ضيفه حتى مع صدْق العيلولة ، وحتى لو كان الضيف مدْعواً قبل دخول تلك الليلة ، وهذا هو المشهور ، ولم أجد دليلاً معتبراً على ذلك .

◀️ ولكن بعض الفقهاء يروَن أنّه على المضيّف دفع زكاة فطرة ضيفه اذا صدقتْ العيلولة ، حتى لو وصله بعد ثبوت الهلال ، وهو الراجح ولو بنحو الإحتياط الوجوبي .

***********

( 1 ) مضافاً للرأيين أعلاه ، توجد أرآء أخرى:

1. قال بعض الفقهاء أنّه إنّما يجب على المضيّف دفع زكاة فطرة ضيفه في حالة ما لو بقي الضيف عنده تمام الشهر .

2. وإكتفى بعضهم بأنْ يكون ضيفاً في النصف الأخير من الشهر .

3. وهناك مَن إكتفى بأنْ يكون ضيفاً في العشر الأخيرة .

4. وبعضهم إكتفى بأنْ يكون ضيفاً في اللّيلتين الأخيرتين .

5. بل إنَّ بعضهم إكتفى بالليلة الأخيرة .

فمع الرأيين المعروفين اللذين ذكرتهما أعلاه يكون المجموع سبعة آراء .

والعمدة إنّما هما الرأيان الأوّلان ، وهما : كفاية صدْق كونه ضيفاً ، وإشتراط صدق العيلولة ، فهما الإحتمالان المبنيّان على الاختلاف في كيفيّة الاستظهار من صحيحة عمر بن يزيد ، كما سيأتي .

( 2 ) ففي صحيحة عمر بن يزيد ، قال : ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر [ أي المُضيّف ] يوم الفطر ، يؤدي عنه الفطرة ؟

فقال [ الإمام ] : نعم ، الفطرة واجبة على كل مَن يعول من ذكر أو أنثى ، صغير أو كبير … ) .

[ الحر العاملي ، الشيخ محمد بن الحسن ، ( ت : 1104 هج ) ، وسائل الشيعة ، ج 9 ، ص 327 ، أبواب زكاة الفطرة ، الباب 5 ، ح 2 ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام ] .

🖊️ وأصحاب الرأي الأول القائل بكفاية صدق الضيافة في وجوب دفع زكاة فطرة الضيف على مضيّفه ، إستظهروا من هذه الرواية :

أنَّ هناك أمرين ، يوجبان على المكلف دفع زكاة فطرة الغير :

◀️ الأول : أنْ يكون مضيّفاً لأحد ، فيجب عليه دفع زكاة فطرة ضيفه .

ويستفاد ذلك من جواب الإمام ( عليه السلام ) على سؤال السائل الذي سأل عن رجل يكون عنده ضيف ، فيأتي المضيّف لدفع زكاة الفطرة عن ضيفه ، فأجاب الإمام بنعم ، وهذا الجواب يفيد وجوب دفع زكاة فطرة الضيف على مضيفه .

◀️ الأمر الثاني : أنْ يكون المكلف معيلاً لآخرين ، فيجب عليه ايضاً دفع زكاة الفطرة عنهم ، وهذا ما يستفاد من ذيل الرواية ، حيث قال الإمام : ( على كل مَن يعول ) .

ووفقاً للأمر الأول يُستفاد موضوعية الضيافة في ثبوت وجوب دفع زكاة فطرة الضيف على المضيّف .

🖊️ وردَّ أصحاب الرأي الثاني الذين يروَن أنَّ المدار في ثبوت وجوب دفع زكاة الفطرة عن الغير على صدق عنوان العيلولة ، إذ أنَّ الرواية لا تتضمن إلّا حكماً واحداً ، وهو أنّ وجوب دفع زكاة فطرة الغير إنّما يثبت على المكلف عند صدق كونه معيلاً لذلك الغير ، فإذا صدق على الضيف أنّه من عيال المكلف ولو في ليلة العيد فقط ، فيجب على المضيّف إخراج زكاة الفطرة عنه ، فقول الإمام ( نعم ) في جواب السائل عن زكاة فطرة الضيف ، لا يعني إثبات الوجوب لعنوان الضيف ، وإنّما بناء على أنّه من العيال ، وصدق عنوان العيلولة عليه في تلك الليلة .

🖊️ وبعبارة أخرى إنَّ ما جاء في ذيل الرواية هو بيان للقاعدة العامة التي يُعتمَد عليها في وجوب دفع زكاة فطرة الغير على المكلف ، وما جاء في الصدر هو بيان لمصداق من مصاديق تلك القاعدة ، بحيث أنّه متى ثبت أنَّ الضيف من العيال لمَن قد استضافه في تلك الليلة ، فيجب على المضيّف إخراج زكاة الفطرة عنه .

🖊️ وبعبارة ثالثة : إستظهر أصحاب الرأي الأول أنَّ قوله عليه السلام : ( نعم ) هو تمام الجواب عن سؤال فطرة الضيف ، الذي مقتضاه أنَّ مجرّد الضيافة بعنوانها موضوع مستقل لأداء الفطرة ،

وأنَّ قوله ( عليه السلام ) بعد ذلك ( الفطرة واجبة ) جملة مستأنفة قد قصد بها الإمام ( عليه السلام ) بيان موضوع آخر لوجوب دفع زكاة الفطرة ، وهو عنوان العيلولة ، فكلّ من العنوانين – الضيافة والعيلولة – موضوع مستقلّ لأداء الفطرة .

🖊️ ولكن أصحاب الرأي الثاني كالسيد الخوئي رحمه الله يردّون على ذلك :

بأنَّ هذا الإستظهار لو كان صحيحاً لكان الأحرى تصدير الجملة المزبورة بواو الاستئناف كما لا يخفى ، وإذ لم تصدّر فظاهر تلك الجملة أنّها في مقام التعليل ، لقوله ( عليه السلام ) : ( نعم ) ، ومسوقة لبيان كبرى كلّيّة تنطبق على الصغرى المذكورة في السؤال ، وتكون النتيجة : أنّ وجوب إخراج زكاة الفطرة عن الضيف إنّما هو لكونه من مصاديق هذه الكلّيّة ، وهي وجوب إخراج الزكاة عن كل مَن يعول ، ولازم ذلك أنَّ الضيافة بعنوانها لا موضوعيّة لها ، وإنّما يجب إخراج الزكاة عن الضيف لكونه ممّن يعوله المضيّف كأحد أفراد عائلته ، يتكفّل مؤونته ويقوم بشؤونه كسائر من يُضَم إليه من عياله ، فلو تجرّد الضيف عن هذا العنوان ، كما لو نزل ليلاً وبات وخرج صباحاً من غير أن يتكلّف المضيّف شيئاً له ما عدا منامه ، لم يجب إخراج الزكاة عنه .

[ الخوئي ، السيد ابو القاسم ، ( ت : 1413 هج ) ، المستند في شرح العروة ، بحسب طبعة الموسوعة ، ج 14 ، ص 393 ]

وهذا هو الراجح ، بل الصحيح ، وهو ظاهر صحيحة إبن يزيد .

************

لا تنسوني بدعائكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى