بقلم // د. محمد ابو النواعير
يتساءل الكثير من الناس عن سبب انتشار ثقافة الاحتفال باعياد وثنية غربية، في مجتمعاتنا المحافظة، وبالاخص في محافظات دينية، كمحافظة كالنجف وكربلاء، وسط مجتمعات تعتبر حسينية محافظة. !؟
الكثير من التحليلات تذهب الى ان هناك مؤامرة ومخطط ثقافي خارجي، يجري تنفيذه بايدي جماهيرية شيعية داخلية، بهدف تهديم البنيان الاخلاقي وخرق التحصينات العقائدية في هذا المجتمع.
انا شخصيا لا استبعد هذا الطرح.
ولكنني في هذا المقال احاول ان افككه سيسيوسيكيولوجيا (اجتماعيا نفسيا)، لاعرف آلية اشتغال هذا المخطط.
الفكرة الاولى لهذه الدراسة، انبثقت لدي من تساؤل وجهته لجناب الدكتور Jafar Jawad الحكيم، الباحث المهتم بالديانات المسيحية واليهودية، والذي يسكن في امريكا منذ عقود، ولديه تصورات علمية ناضجة عن طبيعة تلك المجتمعات، حيث سالته يوما:
لماذا اثرت كثرة الهجرة السكانية الى محافظة النجف الاشرف، من محافظات شيعية، في تغيير الكثير من فواعل ومؤسسات وقيم الفعل والسلوك الاجتماعي فيها، حتى باتت ممارسة الاحتفالات اللا اخلاقية كعيد الحب ورأس السنة تجري فيها وسط تأييد جماهيري غير قليل، ولماذا لم تؤثر القيم الدينية والمذهبية والاجتماعية الشيعية النجفية الاصيلة، على هذا النسق من الجماهير؟ بينما في امريكا التي تستوعب كل عام عشرات الالاف من المهاجرين، ومع ذلك، لم تتغير منظومة القيم الاجتماعية الاساسية المسيطرة والمسيرة للمجتمع الامريكي فيها منذ عقود طويلة.
صراحة، كان جوابه صادما لي، وسهل ممتنع، إذ قال:
(لان كل من يهاجر الى امريكا ياتيها وهو مؤمن ومتيقن بانها تمثل النموذج الاعلى والارقى في الوجود البشري، لذا ترى المهاجر يحاول جاهدا ان يقلد انموذج القيم الاجتماعية الامريكية ويتقيد بها، ليصل الى رقي يعتقد بوجوده.)
هنا
ادركت احد اسباب المشكلة.
الا وهو فشل قادة الشيعة العراقيين (بكل تشكيلاتهم: السياسية والدينية) في خلق وايجاد الانموذج الارقى في كل المجالات القيادية والادارية والاجتماعية والقيمية، والذي يكون كعامل صناعة الانموذج، الذي يعمل على جذب وابهار للاجيال الناشئة، لكي تتمسك به.
السبب في فشل قادة الشيعة في العراق في ايجاد الانموذج الارقى هو وجود خلل في السياقات (المنهجية) المتبعة عندهم في ادارة الوضع الشيعي. !
فالوعي (المنهجي) عندهم في موضوع ادارة الملفات قائم على فلسفة مفادها البحث عن (الناجح) في ادارة الملفات، وليس البحث عن الراقي او المبدع في ادارة الملفات.
الناجح في ادارة الملفات هو الذي ينجح في ادارة الملف مع ما فيه من اخطاء وانحرافات وفساد وتكسرات، بان يوائم بينها ويوازن دون ان يقدم بديلا ابداعيا قويا جذابا، يكتسح الانموذج المهلهل التوازني المهزوز، فنراه يحاول ان يوازن بين الزبالة والنظافة، بين السرقة والنزاهة، بين العهر والقوادة وبين الشرف، الخ، فالمهم عندهم هو ان تسير السفينة بما فيها من اخطاء وكوارث وقاذورات وانحرافات. !
هذا المنهج تكون نتيجته دوما بقاء الحال (الهش) على ما هو عليه، مع امكانية تخلل قوى التغيير الثقافي بهدوء في اعماق البنية المجتمعية. !
بينما الادارة التي تبحث عن الرقي والابداع، تكون دائما في دائرة مستمرة تعالج وتنظف وتقدم الافضل والاكثر ابداعا، غير المعهود، غير المألوف، الذي لا يمكن لادارة عادية ساذجة (ناجحة) تقديمه.
و بالنتيجة، الادارة الراقية الابداعية، وبمرور الزمن، ستقدم نماذج راقية ومتطورة في كل نواحي الحياة ومفاصلها، وهذا ما يحصل في دولة كامريكا وغيرها من الدول القوية الثابتة.
بينما نجد ان الوعي (المنهجي) لقادتنا الشيعة، لا يتوانا في تقديم اشخاص من ذويي الاصول البعثية، او المنحرفة، او المشبوهة، او الحمقاء، فقط لمجرد انهم لديهم قابلية (النجاح) في ادارة ملف، وليس (الابداع او الرقي) في ادارة الملف. !
لذا ، تجدهم وبعد ٢١ سنة من سقوط كرة الحكم بايديهم، الى الان يحاولون دوما الثبات مع مبدأ التعايش مع السقوط ، الانحراف، الغباء، الحماقة، الجاهلية، التفاهة، الفساد، لانهم يبحثون عن الذي ينجح في ادارة الوضع على ما هو عليه، مما جعلهم بوضع مرتبك، بحيث تستطيع بلوكر او فاشنيستا عاهرة وضيعة، او مدون بعثي، ان يهزهم ويرعبهم ويدعسهم.
اللهم اشهد اني قد بلغت.