[ نموذج آخر للوضوح في المواقف المبدئية عند أصحاب أمير المؤمنين ]
بقلم // حسن عطوان
📌 جاء في كتب التاريخ والتراجم :
إنَّ عَدِيّ بن حاتم الطائي قد دخل على معاوية وعنده عبد الله بن الزبير وعمرو بن العاص .
📌 فقال له إبن الزبير :
يا أبا طريف متى ذهبتْ عينُك ؟!
قال : يوم فرّ أبوك منهزماً فقُتل وضُربتَ على قفاك وأنت هارب ، وأنا مع الحق وأنت مع الباطل .
📌 فقال له معاوية : ما فَعَلَ الطرفات ؟؟
يقصد طريفاً وطرافاً وطرفة أبناء عَدِي .
فقال عَدِي : قُتلوا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
📌 فقال له معاوية :
ما أنصفك عليٌ إذ قدّم أبناءك وأخّر أبناءه .
فقال عدي : بل أنا ما أنصفته حيث قُتل وبقيت بعده .
📌 فقال له معاوية : أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما لها إلّا كذا ، وأومى بيده إليه ( 1 ) .
فقال له عدي : إنَّ السيوف التي أغُمدتْ على حسك في الصدور ( 2 ) ، ولعلك تَسُل سيفاً تُسَل به سيوف ( 3 ) .
📌 ثم حذره من الإساءة لعليٍّ ، قائلاً :
” إنَّ حَزَّ الحلقوم وحشرجة الحيزوم ( 4 ) لأهون علينا من أنْ نسمع المساءة في علي ” .
فالتفت معاوية إلى ابن العاص فقال : كلمة شدّها في قرنك ( 5 ) .
📌 ثم خرج عدي وهو يقول :
يحاولني [ يجادلني ] معاويةُ بن صخر ..
وليس الى التي يبغي سبيلُ ..
يُذَكّرني أبا حسن علياً ..
وخطبي في أبي حسن جليلُ ..
يكاشرني ويعلم ُأنَّ طَـرفـي ..
على تلك التـي أُخـفـي دليـلُ ( 6 ) . ( 7 ) .
📌 كان معاوية يقصد إذلال عدي ؛ وإجباره على الإعتذار عن مواقفه السابقة مع أمير المؤمنين ، أراد خداعه بتذكيره بإستشهاد أولاده الثلاثة في صفين لإجترار عواطفه ، والتغرير به ، من خلال شبهة أنَّ مَن تحبه قدّم أولادك للقتل ولم يقدّم أولاده ، ولكن هيهات !!
فالعكس هو الذي حصل ، إذ وجده جبلاً أشمّاً في الدفاع عن إمامه .
فالذبح ، وحشرجة الإحتضار ، لأهون علينا من سماع الإساءة لأمير المؤمنين علي ، ولا أمير للمؤمنين غيره لا من قبل ولا من بعد !
📌 إنّها البصيرة النافذة التي كان عليها عَدِي .
وهذا هو حال الخُلّص من أصحاب أمير المؤمنين .
فهل نرتقي ونقتدي بأصحابه على الأقل ؟!
أسعد الله أيامكم .
***************
( 1 ) أي أنَّ معاوية هدّد عَدِي بالقتل ، متهماً إيّاه بالمشاركة في قتل الخليفة الثالث .
وفي مروج الذهب : قال معاوية : أما إنّه قد بقيت قطرة من دم عثمان ما يمحوها إلّا دم شريف من أشراف اليمن .
( 2 ) حَسَك في الصدور : أي أنّنا وإنْ أغمدنا سيوفنا ، لكن البغض لكم – بني أمية – لم يزل في صدورنا ؛ لإنحرافكم عن أمير المؤمنين وبغضكم له ، ولرسول الله من قبله .
( 3 ) أي : إنْ سللتَ سيفك فسَتُسل ضدك سيوف .
( 4 ) حزّ الحلقوم : الحلقوم ، تجويف بعد الفم ، وحزّه ، أي : الذبح .
والحيزوم : أعضاء وأنسجة تقع وسط الصَّدْر ما بين الرِّئتين .
والحشرجة : تردد صوت النَفَس ، أي : الغرغرة التي تحدث عند الإحتضار .
( 5 ) أي : إحفظها بشدّها في ظفيرة شعرك ، وهذا كناية عن تهديد آخر لعدي ،
وقيل : إنّْ معاوية قال لعمرو : هذه كلمات حِكَم فاحفظها .
( 6 ) كشَّر الشخصُ : أظهر استياءً وعدم رضى عن أمر ، تعبيرًا عن تهديد أو انفعال نفسيّ .
والمعنى : إنَّ غضب معاوية بادٍ ، وهو يعرف من عيون عَدِي مقدار بغضه له ، ووده وشوقه لعليٍّ .
( 7 ) المَرْزُباني الخراساني ، أبو عبد الله محمد بن عمران ، ( ت : 384 هج ) ، مؤرخ وأديب ، معتزلي ، مختصر أخبار شعراء الشيعة ، ص 46 – 47 ، الناشر : شركة الكتبي للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1965 م .
وأورد قسماً من الحادثة ايضاً :
المسعودي ، علي بن الحسين بن علي ، ( ت : 346 هج ) ، مروج الذهب ، ج 3 ، ص 4 – 5 ، موسوعة جامع الكتب الإسلامية ، نسخة إلكترونية .
*************