هدنة لبنان أسيرة تفاهمات نتنياهو وترامب
كنوز ميديا – تقارير
ونشرت صحيفة مقربة من حزب الله، لأخبار متواضعة الأهمية الأمنية (قياسا بما حدث في الجنوب قبل شهرين) إلى أن قيمتها تأتي من دلالاتها السياسية بالنظر إلى أن الجيش الإسرائيلي الذي احتل تلك المناطق، من المفترض أن يكون قد سحب الجيش وحداته منها في 26/يناير كانون الثاني 2025، عملًا بالاتفاق الذي أبرم قبل شهرين بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية فرنسية، والذي أنهى، أشرس حرب يشهدها لبنان وإسرائيل منذ عقود.
علما أن أبرز بنود الاتفاق تنص على انسحاب إسرائيل تدريجيا إلى جنوب الخط الأزرق (المحدد لخطوط انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000) خلال 60 يوما، وانتشار قوات الجيش والأمن اللبنانية على طول الحدود ونقاط العبور والمنطقة الجنوبية.
كان تحقيق الانسحاب الإسرائيلي بالتفاهم مع الراعي الأميركي للاتفاق هو الهدف الذي شغل رموز الحكم في لبنان الذين تناوبوا على لقاء الجنرال الأميركي المسؤول في لجنة الإشراف على الاتفاق غاسبر جيفرز. فقد التقاه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الاثنين، تلاه لقاء جمعه بالرئيس المنتخب جوزيف عون، ثم بقائد الجيش بالإنابة اللواء الركن حسان عودة. واقترن لقاء جيفرز – ميقاتي بأول إشعار مقلق عندما أعلن ميقاتي في ختام اللقاء أن “الانسحاب الإسرائيلي قد يتأخر عدة أيام”.
الخرق
وغذت هذه المخاوف التسريبات المتعاقبة في وسائل الإعلام الإسرائيلية. فذكرت “جيروزاليم بوست” في 22 يناير/كانون الثاني أن إسرائيل قالت مرارا إنها قد تحتاج إلى البقاء في جنوب لبنان ربما 30 يوما أخرى، لضمان قيام الجيش اللبناني بمهمته”. وعن رضا الولايات المتحدة من عدمه عن هذا الخرق زادت بقولها “كانت الولايات المتحدة مُتعاطفة في البداية مع الشكاوى الإسرائيلية، ومارست المزيد من الضغوط على الجيش اللبناني للامتثال بشكل أسرع، وكانت النتيجة النهائية هي أن المسؤولين من إدارة الرئيس جو بايدن والرئيس المنتخب ترامب قالوا إنهم لا يزالون يريدون خروج الجيش الإسرائيلي في اليوم الـ60 من الهدنة”.
أما القناة 13 وصحيفة “هآرتس” فنقلتا عن مصادر أمنية قولها إن إسرائيل “طلبت من إدارة ترامب بقاء الجيش في جنوب لبنان فترة غير محدّدة” وطلبت كذلك ” الحفاظ على 5 نقاط عسكرية في الجنوب اللبناني”. في حين جزمت يديعوت أحرونوت بأن “نتنياهو يحاول تأخير تنفيذ الانسحاب الإسرائيلي من لبنان بسبب ضغوط وزير المالية سموتريتش”.
بعد يومين نوقش موضوع تأخير الانسحاب خلال اجتماع للمجلس الوزاري الأمني المصغر( الكابينت) وبحضور رئيس الأركان المستقيل هيرتسي هاليفي. وفي ختامه قطع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الشك باليقين بقوله في بيان صادر عن مكتبه إن “عملية انسحاب الجيش الإسرائيلي مشروطة بانتشار الجيش اللبناني في جنوب لبنان وتنفيذ الاتفاق بشكل كامل وفعال، بينما ينسحب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني”، وقال نتنياهو أيضا، بما أن لبنان “لم ينفذ بالكامل” التزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، فإن “عملية الانسحاب التدريجي ستستمر بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة “.
تجاوب هيوز
لم تتأخر واشنطن في التعليق على التلميحات الإسرائيلية بلهجة تفيد بانحيازها لصالحها. فتحدث الناطق باسم مجلس الأمن القومي بريان هيوز عن “ضرورة تمديد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله بشكل عاجل “. وتحدث أيضا عن دعم واشنطن للحكومة اللبنانية الجديدة. لكنه شدد في ذات الوقت على أن “على جميع الأطراف منع حزب الله من القدرة على تهديد الشعب اللبناني ودول الجوار مجددا”. وقال أيضا إن الرئيس دونالد ترامب مصمم على جعل جميع سكان شمال إسرائيل يعودون إلى منازلهم بأمان.
وتتقاطع تصريحات هيوز مع معلومات نشرتها “الأخبار” اللبنانية في 18 يناير/كانون الثاني مفادها، أن مستوطني المستعمرات الحدودية مع لبنان بادروا الى تفقد منازلهم، وعاد بعضهم إليها”. وتضيف “ورغم تحديد الأول من آذار المقبل موعدا رسميا لعودتهم، فإن نحو 35 في المائة من المستوطنين يعملون على تأهيل منازل قابلة للسكن، أو عاودوا العمل في ورش زراعية وصناعية خفيفة، فيما تستمر الخلافات بين المجالس المحلية والحكومة حول التعويضات المالية. وأفاد مصدر متابع، أن أكثر من ثلث سكان كريات شمونة (الخالصة)- وهي أكثر المستوطنات تضررا بعد الحرب- لا ينوون العودة إليها.
يارين- الظهيرة
مقابل الهدوء الحذر والعودة الجزئية في مستوطنات الشمال، فإن الجانب اللبناني من الحدود، ظل خلال سريان وقف إطلاق النار أسيرا لحرب منخفضة الوتيرة اتخذت أشكالا متنوعة تتراوح بين نسف المنازل وإحراقها، وتمشيط الأودية بواسطة المسيرات. وبلغ عدد الخروقات لغاية اليوم الـ55 من سريان الاتفاق 630 خرقا. هذا إلى جانب إنهاء وحدات إسرائيلية أعمال “بناء الجدار الإسمنتي بين لبنان وفلسطين المحتلة”، على طول الخط الأزرق من بلدة يارين إلى بلدة الضهيرة، في القطاع الغربي حسبما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام.
وكشفت مصادر أمنية لبنانية أن الجيش الإسرائيلي انسحب من 9 بلدات هي الناقورة، والبياضة، وشمع، وطيرحرفا، والجبين، وراميا، والقوزح، وبنت جبيل والخيام، لكنه لم يستكمل انسحابه من 33 بلدة أخرى. في حين أشار موقع “المدن” إلى أن مواطنين لبنانيين في أكثر من 60 بلدة وقرية ينتظرون عودتهم إلى منازلهم بعدما حُرموا من الدخول إليها لأشهر طويلة.
فماذا كانت ردة فعل حزب الله وحلفائه والحكومة على تأخير الانسحاب وعلى الخروقات الإسرائيلية بالنظر إلى أن رد الحزب على المئات منها اقتصر على إطلاق قذيفتين في 3 ديسمبر/كانون الأول على موقعٍ برويسات العلم في كفر شوبا وصف حينها في بيان صادر عن الحزب بالرد “الدفاعي الأولى التحذيري”؟
استبق حزب الله قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي ببيان قال فيه إن “أي تجاوز لمهلة الستين يوما يعتبر تجاوزا فاضحا للاتفاق وإمعانا في التعدي على السيادة اللبنانية ودخول الاحتلال فصلا جديدا يستوجب التعاطي معه من قبل الدولة بكل الوسائل والأساليب التي كفلتها المواثيق الدولية بفصولها كافة لاستعادة الأرض وانتزاعها من براثن الاحتلال” ويؤشر الرد إلى تراجع الحزب عن معاملته الندية للجيش الإسرائيلي كما كان يفعل قبل الحرب التي قضى خلالها 4069 قتيلا و16 ألفا و670 جريحا بينهم أمين عام الحزب حسن نصر الله وخليفته هاشم صفي الدين.
وفي الـ25 من يناير/ كانون الثاني قال حسين الحاج حسن النائب في البرلمان عن كتلة حزب الله المعروفة باسم كتلة” الوفاء للمقاومة” أن “المقاومة تجري الاتصالات اللازمة مع المسؤولين اللبنانيين وعندما يجب أن نتخذ أي موقف، سنتخذه ونعلنه”.
بموازاة ذلك التزمت الحكومة اللبنانية الجديدة وأركانها الحذر، فيما طالب الرئيس جوزيف عون خلال اتصال أجراه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بـ ” إلزام إسرائيل تطبيق مندرجات الاتفاق”، في حين أبدت قيادة الجيش في بيان صدر في 25 يناير/كانون الثاني جاهزيته للانتشار في المناطق الحدودية بجنوب البلاد، متهمًا إسرائيل بـ”المماطلة” في الانسحاب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله.
الشخصية العامة الوحيدة التي أبدت تمسكها بحق الرد كان النائب والمدير العام السابق للأمن العام المقرب من الحزب اللواء جميل السيد. إذ قال في تغريدة نشرت يوم 23 يناير/كانون الثاني “صحيح لا أحد في لبنان يريد العودة إلى الحرب، ولكن، إذا أصرّت إسرائيل على عدم الانسحاب ومنْع انتشار الجيش اللبناني وعودة المواطنين إلى كل الجنوب كما نصّ الاتفاق، فستكون المقاومة أولى النتائج الطبيعية لهذا الخرق والاحتلال وخاطب السيد الدولة اللبنانية قائلا: “هي تشدد على حصريّة السلاح الداخلي في يدها، وهذا حقّها، فأين هي اليوم من ممارسة حصرية الدفاع عن شعبها وأرضها ؟!”.