على هامش مؤتمر(الافاق المستقبلية لاتباع اهل البيت)

(أمة وسطى)

بقلم // جمعة العطواني

للمرة الثالثة ينعقد مؤتمر يجمع رجال دين ونخب شيعية من مختلف الدول العربية والاسلامية في بغداد وهو يحمل شعار(امة وسطى).
في الوقت الذي نبارك عقد مثل هكذا مؤتمرات تجمع اتباع اهل البيت المنتشرين في مختلف بلدان عربية واسلامية، وبخاصة في ظل المتغيرات التي تعيشها الامة، سواء كانت تلك التحديات سياسية، او ثقافية، اواقتصادية وامنية .
نود في هذه السطور ان نقف عند شعار المؤتمر، لكي لا نذهب في فهمه افراطا وتفريطا.
علينا ان نفهم معنى الوسطية التي ارادها الله تعالى في كتابه العزيز لكي يكون مفهوما مشتركا متفقا عليه للانطلاق نحو افاقه التي تحافظ على ثوابتنا ونواجه تلك التحديات المحدقة بامتنا.
اغلب المفسرين والعلماء من مختلف الامة الاسلامية يتحدثون عن الوسطية المقصودة في قوله تعالى(وجعلناكم امة وسطا)هو العدل، والعدل يعني بالضرورة مقابل لنقيضه وهو الظلم. كما ان اغلب المفسرين والعلماء يشيرون الى ان(الامة الوسط) هي الامة الاسلامية، لان دينها جاء كدين وسط بين افراط النصارى الذين اتخذوا نبيهم الها وابنا لله وبين اليهود الذين حاربوا نبيهم.
الشجاعة هي الوسط بين الجبن والتهور، والانفاق هو الوسط بين البخل والتبذير، والاسلام هو الدين الوسط بين افراط النصارى وتفريط اليهود.
عندما لا نجتزئ النصوص القرانية عن بقية سياقاتها الاخرى تاتي المعاني واضحة دون لبس اوتكلف في الفهم، ففي اية اخرى يقول الله تعالى(كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله).
من هذه المقدمة السريعة لفهم الوسطية في الاسلام ننطلق الى فهم جوهر اي مؤتمر يعقد لاتباع اهل البيت عليهم السلام وفق المشتركات العقائدية والفقهية والسياسية، بوصفهم جزء فاعل في هذه الامة.
وبما ان الحديث عن اتباع اهل البيت عليهم السلام، من الضروري التاكيد على قضايا خارجية واقعية، التاكيد والتذكير بها تمثل المسار الذي اوصل هؤلاء الاتباع الى مركز الرقي وصنع الواقع والتحكم بميزان القوة في المنطقة العالم .
اننا كنا(جماعة) مسحوقة بين المجتمعات الاسلامية بحكم الضروف السياسية والاقتصادية التي مررنا بها، فكل الانظمة المتعاقبة على المجتمعات العربية كانت تحارب اتباع اهل البيت عليهم السلام، وان اية جماعة لو تعرضت الى ما تعرض له اتباع اهل البيت لاصبحت اثرا بعد عين .
ان الفضل الاكبر لبزوغ فجر اتباع اهل البيت على الصعيد السياسي والاجتماعي والثقافي هو ذلك الرجل العظيم الامام الخميني( قدس)، الذي استطاع ان ينفض غبار القرون من الدهور، ويخرج بنا الى نور الوجود، ويتحول اتباع اهل البيت من امة مسحوقة الى امة فاعلة ومتحركة ومتفاعلة مع متطلبات العصر، وساحقة للعدو.
ان الحركة الفكرية والسياسية لاتباع اهل البيت التي دخلت الى اوساط المجتمع الاسلامي من مختلف التيارات والمذاهب باقل من اربعة عقود لا يمكن لها ان تنتشر بهذا الانتشار لولا ان الامام الخميني بحركته الرسالية ركز على كبريات قضايا الامة دون الاستغراق بالتفاصيل التي لا تؤثر على حركتها في مواجهة التحديات، فقرون من الزمان ونحن نستهلك جهدنا ووقتنا لنتقاتل على جزئيات المسائل الفقهية، وهي مسائل ترتبط بتقرب الفرد مع ربه، دون ان تنعكس على المسائل المشتركة للامة.
من اهم المسائل التي ابرزت خط اهل البيت في عصرنا الراهن وحولته الى محور ومركز ثقل للاسلام المحمدي الاصيل هو الانشغال بقضايا الامة الكبرى، وفي مقدمتها قضية فلسطين .
الوسطية، ايها الاخوة لا تعني ان تقف على الحياد بين الحق الباطل كما يتصور المثبطون او الذين يريدون ان يكيفوا المفاهيم الاسلامية وفق اهوائهم السياسية.
حاول بعض اصحاب امير المؤمنين عليه السلام ان يكونوا وسطيين بينه وبين ومعاوية، كما يحاول البعض في عصرنا الراهن، لكنه عليه السلام وبخهم وقال( انكم لم تنصروا الباطل لكنكم خذلتم الحق).
الوسطية ان تقف بوجه الباطل وتنصر الحق، وهذا المهوم الذي يستقيم مع قوله تعالى(كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). فالامر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل (أُس) الصراع الذي خاضه ائمة الهدى عليهم السلام مع الطغاة والمتسبدين والمستكبرين، وسيرة ائمتنا واضحة لا تحتاج الى ان نسوق امثلة لها، فلم يخرج امير المؤمنين على المارقين وسيد الشهداء والحسن المجتبى عليهم السلام لانهم يختلفون مع اعدائهم في مسائل فقهية او(وطنية)حسب الاصطلاح المعاصر، بل انهم خرجوا للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وضحوا بارواحهم الزكية المعصومة.
من هنا يجب ان نفهم الامة الوسط، بانها الامة التي تقف بوجه الظلم والطغيان سواء كان الظلم ياتي من انظمة الجور العربية او انظمة الاستكبار التي تقف بوجه ديننا وتنتهك كرامة شعوبنا.
ان الجامع المشترك لاتباع اهل البيت هو الاسلام الذي نزل به رسول الله وانتهجه ائمتنا عليهم السلام، ويجب ان لايكون هذا المنهج يتقابل مع الوطنية تقابل الضدين اوالنقيضين بحيث نخير انفسنا بين الولاء للوطن او لثوابت المذهب اذا تعارضا؟.
الله تعالى في صريح قرانه الكريم يقول للذين يتخذون من الاستضعاف وسيلة لموالاة انظمة الجور(ان الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم، قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعين في الارض، قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصيرا). فلا معنى لمفهوم الوطن عندما يكون سببا لمسخ دينك وثوابت اسلامك، بل ان الدين هو الذي يحتم عليك ان ترفض الظلم والعدوان على ابناء بلدك في ظل حاكم مستبد.
في العراق الذي يحتضن هذا المؤتمر بنسخته الثالثة وقف ابتاع اهل البيت عليهم السلام بكل قوة وصلابة وفخر ليقاتلوا الطاغية في بلدهم، ويقتلوا أبناء( وطنهم) من نفايات البعث واجهزته القمعية، ولم يكن لشعار التعايش او تكييف الحال مع هذا النظام تحت شعار(الوطنية) وعدم تفريق وحدة الكلمة اي اعتبار، فوحدة الكلمة لا قيمة لها اذا كانت سببا في تشجيع الظالم على ظلمه للدين والناس.
يقول امير المؤمنين عليه السلام(ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه واله نقتل اباءنا وابناءنا واخواننا واعمامنا ما يزيدنا ذلك الا يمانا وتثبيا)، فاين الوطنية في مفهوم علي عليه السلام عندما تتعارض مع ثوابت الدين.
اليوم ونحن نعيش تجليات معركة العصر في غزة، وجدنا كيف انبرى اتباع اهل البيت في ساحات محور المقاومة للوقوف بوجه الاستكبار والعدوان الصهيوني، واصدر مراجعنا العظام بين فتاوى توجب القتال والدفاع عن مقدسات المسلمين، وبين بيانات تضامن مع شعبنا المسلم ومقدساتنا الاسلامية، رغم ان غالبية شيعة علي بن ابي طالب يرزحون تحت ظل انظمة عربية موالية للاستكبار، او تقف على الحياد في معركة الحق مع الباطل، فلم يبالوا بمفهوم الوطنية اذا كان يريد ان يحجر على الامة في الدفاع عن قضاياها المصيرية وفق المعنى السلبي لهذا المفهوم .
حري بنا ان نفتخر اليوم وبعد قرون من الظلم والاقصاء والتشريد والابادة، باننا عدنا امة شيعية تقاتل بالنياية عن الامة الاسلامية، فتكليفنا يحتم علينا ذلك وان جارعلينا(اخوة يوسف عصرنا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى