قراءة في كتاب” حكايتي مع الإمام المهدي”
الورقة الثالثة
بقلم // د.أمل الأسدي
يقول المؤلف: إن أكثر ما يشغلني هو سبب تأخير ظهور الإمام، لماذا تأخر كل هذه المدة الطويلة؟ وهذا السؤال ألح عليّ بعد أن تجاوز عمري الستين، مع متغيرات الواقع وانفتاح الحياة وتطور الأفكار وتبادلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وقد حركني هذا السؤال وما ينبثق عنه من أسئلة الی أن أعود الی البحث والتقصي من جديد، فرجعت الی كتاب الشهيد السيد محمد باقر الصدر (بحث حول الإمام المهدي) وبالفعل وجدته يناقش قضية غيبة الإمام ويطرحها في سؤال وهو:” ماهي فائدة هذه الغيبة الطويلة وما الغاية منها؟
ثم يفصّل الرد قائلا: “ولما كانت رسالة اليوم الموعود تغيير عالم مليء بالظلم والجور، تغييراً شاملاً بكل قيمه الحضارية وكياناته المتنوعة، فمن الطبيعي أن تفتش هذه الرسالة عن شخص أكبر في شعوره النفسي من ذلك العالم كله، عن شخص ليس من مواليد ذلك العالم الذين نشأوا في ظل تلك الحضارة التي يراد تقويضها واستبدالها بحضارة العدل والحق، لأن من ينشأ في ظل حضارة راسخة تعمر الدنيا بسلطانها وقيمها وأفكارها، يعيش في نفسه الشعور بالهيبة تجاهها لأنه ولد وهي قائمة، ونشأ صغيراً وهي جبارة، وفتح عينية علی الدنيا فلم يجد سوی أوجهها المختلة!! وخلافاً لذلك شخص يتوغل في التاريخ عاش الدنيا قبل أن ترى تلك الحضارة النور، ورأى الحضارات الكبيرة سادت العمر الواحدة تلو الأخرى ثم تداعت وانهارت، رأى ذلك بعينيه ولم يقرأه في كتاب تاريخي، ثم رأى الحضارة التي يقدر لها أن تكون الفصل الأخير من قصة الإنسان قبل اليوم الموعود، رآها وهي بذور صغيرة لا تكاد تبين، ثم شاهدها وقد اتخذت مواقع في أحشاء المجتمع البشري تتربص الفرصة لكي تنمو وتظهر، ثم عاصرها وقد بدأت تنمو وتزحف وتصاب بالنكسة تارة ويحالفها التوفيق تارة أخرى، ثم واكبها وهي تزدهر وتتعملق وتسيطر بالتدريج على مقدرات عالم بكامله، فإن شخصاً من هذا القبيل عاش كل هذه المراحل بفطنة وانتباه كاملين ينظر إلى هذا العملاق – الذي يريد أن يصارعه .. من زاوية ذلك الامتداد التاريخي الطويل الذي عاشه بحسه لا في بطون الكتب فحسب، ولا كما كان ينظر (جان) جاك روسو) إلى الملكية في فرنسا، فقد جاء عنه أنه كان يرعبه مجرد أن يتصور فرنسا بدون ملك”
يقول المؤلف: بقيت أعيد قراءة ما قاله السيد الصدر عدة مرات، وفي كل مرة تثور في داخلي الأسئلة وأخمدها وأقيّدها، فهيبة السيد محمد باقر الصدر وتأريخه وإرثه الفكري واستشهاده البطولي؛ كل ذلك كان يقيدني ويوقف أسئلتي!
ولكن في النهاية استجبت لصوت العقل وتوصلت الی حقيقة وهي أن مناقشة الآراء لاتعني الإساءة لصحابها ولاتعني المساس بمكانته وتأريخه، لهذا تركت الحرية لهذا الصوت وبدأت أسجل ملاحظاتي بهدوء وهي:
١- إن رسالة الأنبياء والرسل ( عليهم السلام) كانت كلها رسالات تغيير لما هو قائم في واقعهم الاجتماعي، وقد عاشوا وأدوا مهمتهم التبليغية في الأجواء التي ولدوا بها، وكان كل نبي يمثل الاختيار الأمثل في حمل الرسالة، وكانوا على إطلاع ودراية وإحاطة تامة بظروف التاريخ وتجاربه بما وهبهم الله من علم وحكمة، ومع ذلك فقد واجهوا الصعوبات والتحديات والتكذيب، وكانت أغلب تجارب الرسالات تنتهي بإيمان القلة وعناد الأكثرية.
2. إذا كان قائد المهمة التغييرية يحتاج إلى معايشة الحضارات معايشة حية ومشاهدتها مباشرة وهي تبدأ وتنتهي، ويكون ذلك شرطاً أساسياً لنجاحه فلماذا لم يفعل الله تعالى ذلك – وهو القادر على كل شيء – مع الرسل والأنبياء فيختارهم ويطيل أعمارهم لعدة قرون ثم يكلفهم بالتبليغ بعد أن يمتلكوا الخبرة والمعاينة الحية لولادة الكيانات وسقوطها ؟
3 ـ ما ذنب تلك الأمم والأقوام التي عاشت تجارب أنبياء لم تكتمل عندهم شروط التغيير الكبير، فكان أهل تلك الحقب ضحية ظرفهم الزمني، بينما ينعم الذين سيعاصرون ظهور المهدي بالتغيير الشامل فتكون إمكانات الهداية عندهم أسهل من الذين سبقوهم؟ ألا يتعارض هذا مع عدالة الله تعالى في خلقه ؟
٤- لو كان السبب وراء طول فترة الغيبة، أن يحيط الإمام علماً وخبرة ومشاهدة بتجارب الحضارات والكيانات ويرى بروزها ثم انهيارها، فلماذا لم يظهر قبل هذه الفترة التي نعيشها الآن بعدة قرون؟ كأن يظهر في زمن سقوط الدولة العباسية أو سقوط دولة السلاجقة أو بعد الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي؟
ففكرة إطالة عمر للإمام ليكون شاهدا علی كل المتغيرات ستجعل هذه الحالة مفتوحة ولانهاية لها!
إذن عليّ أن أعيد القراءة وأواصل البحث…
🔴 للحديث بقية