ثنائية الحياة بين الاختبار والمصير
بقلم/ الدكتور أحمد صدام الساعدي
لطالما كانت ثنائية الحياة محورًا أساسيًا في تكوين المجتمعات البشرية عبر التاريخ، حيث نجد أن الكون قائم على التضاد، سواء في الطبيعة أو في حياة الإنسان. فالتضاد بين الخير والشر، الفقر والغنى، العلم والجهل، الحلال والحرام، والجنة والنار، كلها تعكس طبيعة الامتحان الذي يعيشه الإنسان خلال حياته. إن هذه الثنائيات ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل هي واقع يعيشه الإنسان يوميًا، ويجب عليه اتخاذ قرارات تحدد مصيره بناءً على خياراته. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”، أي أنه بيّن للإنسان طريق الخير وطريق الشر، وجعل له حرية الاختيار بينهما. وهنا تكمن حكمة الخالق في منح الإنسان الإرادة الحرة التي تمكّنه من تحديد مساره في الحياة، سواء كان شاكراً أو كفورًا. فالثنائيات ليست مجرد تباينات عشوائية، بل هي وسائل للاختبار والابتلاء، حيث يُعرف الشيء بنقيضه. فمنذ بداية الخليقة، كان الصراع بين الخير والشر واضحًا، فقد ورد في قصة ابني آدم عندما طغى الحسد في قلب قابيل فقتل أخاه هابيل، مما جعله أول من سنّ القتل في البشرية. وهذا المثال يوضح كيف أن الإنسان مخيّر بين سلوك طريق الخير أو الانجراف نحو الشر، وعليه أن يتحمل عواقب قراره. كذلك نجد في القرآن الكريم نموذجًا آخر لهذا التضاد في قصة فرعون وموسى (عليه السلام)، حيث وقف فرعون رمزًا للشر والجبروت، بينما كان موسى نبيًا يدعو إلى الحق والعدل. وعلى الرغم من أن فرعون امتلك القوة والسلطة، إلا أن عاقبته كانت الهلاك، مما يدل على أن مصير الشر دائمًا هو الفناء، بينما يبقى الخير خالدًا. كما أن الغنى والفقر ليسا مجرد حالتين ماديتين، بل هما امتحان للإنسان، فالغني يُختبر بعطائه وإنفاقه في وجوه الخير، والفقير يُختبر بصبره ورضاه بقضاء الله. وقد يكون الغنى نقمة إذا أدى إلى الجشع والغرور، كما قد يكون الفقر طريقًا إلى رضا الله إذا صاحبه الإيمان والتقوى. والحلال والحرام معيار أساسي في الشريعة الإسلامية، وهو أحد أهم الثنائيات التي يواجهها الإنسان في حياته اليومية. فالمال مثلًا قد يكون نعمة إذا اكتُسب بالحلال، لكنه قد يصبح فتنة إذا جاء من طرق غير مشروعة. وقد ورد في الحديث الشريف: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسده فيما أبلاه”، وهذا يؤكد أن الإنسان مسؤول عن اختياراته، وسيُحاسب على كل قرار يتخذه في حياته. والغاية النهائية لكل إنسان في هذه الحياة هي الوصول إلى الجزاء الأخروي، حيث يتحدد مصيره إما في الجنة أو في النار بناءً على أفعاله واختياراته في الدنيا، وهذا يظهر بوضوح في قوله تعالى: “فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ”، وهذا دليل على عدالة الله المطلقة، حيث لا يُظلم الإنسان شيئًا، بل يُحاسب وفق ما قدمت يداه. إن إدراك الإنسان لحقيقة هذه الثنائيات يجعله أكثر وعيًا بمسؤولياته في الحياة، فهو ليس مجبرًا على طريق معين، بل هو مخيّر بين الخير والشر، بين الطاعة والمعصية، وبين الرحمة والبطش. ولذلك، فإن على الإنسان أن يسعى دائمًا لاختيار الطريق الذي يرضي الله، مستعينًا بالإيمان والعقل والحكمة في اتخاذ قراراته. كما أن هذه الثنائيات تعلمنا أن الحياة ليست مثالية ولا تخلو من المصاعب، فالمحن والابتلاءات جزء من اختبار الله لعباده، وعليه فإن النجاح الحقيقي لا يكمن في تحقيق الرفاهية المادية فقط، بل في اختيار الطريق الصحيح الذي يؤدي إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. إن ثنائية الحياة ليست مجرد مفاهيم فلسفية، بل هي قوانين إلهية وضعها الله لاختبار عباده، وعلى الإنسان أن يدرك أن اختياراته تحدد مصيره، فإن اختار طريق الحق، فإنه سينال رضا الله في الدنيا والآخرة، وإن اختار طريق الباطل، فإنه سيواجه عواقب وخيمة، فليكن اختيارنا دائمًا طريق الخير والحق، لأنه وحده الذي يضمن لنا الحياة الطيبة في الدنيا، والسعادة الأبدية في الآخرة.