أوكرانيا بين الأمل والخداع: كيف وقع الأوكرانيون في فخ ثعالب السياسة؟!

بقلم // كاظم الطائي 

في التاريخ الحديث، تبرز أوكرانيا كنموذج صارخ لدولة امتلكت القوة ثم تخلت عنها تحت وعود زائفة، فوجدت نفسها لاحقًا ضحية للعبة سياسية لم تكن مستعدة لها. كانت أوكرانيا يومًا ما جزءًا من الاتحاد السوفيتي القوي،

 

وحين انهار في عام 1991، ورثت ترسانة نووية هائلة جعلتها في مصاف القوى النووية الكبرى عالميًا، حيث امتلكت نحو 1900 رأس نووي استراتيجي و2500 صاروخ نووي تكتيكي، مما منحها قوة ردع كان يمكن أن يضمن أمنها واستقلالها لسنوات طويلة.

 

مذكرة بودابست: الوعد الزائف

 

لكن في عام 1994، وقعت أوكرانيا على مذكرة بودابست، التي كانت بمثابة لحظة مفصلية في مصيرها. هذه المذكرة، التي وقعتها أوكرانيا إلى جانب كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، نصّت على تخلي أوكرانيا عن ترسانتها النووية مقابل “ضمانات” بالحفاظ على سيادتها وسلامة أراضيها، وعدم استخدام القوة ضدها، وعدم ممارسة ضغوط اقتصادية عليها.

 

في الظاهر، بدا الأمر صفقة رابحة، حيث تحصل أوكرانيا على دعم القوى الكبرى وتحصل على “السلام” بدون الحاجة لامتلاك السلاح النووي، لكن في الواقع، كانت هذه المذكرة فخًا محكمًا، جعل أوكرانيا دولة بلا قوة ردع، وعرضها للابتزاز السياسي والعسكري في المستقبل.

 

انكشاف الحقيقة: أوكرانيا في مرمى النيران

 

مرّت السنوات، وبدأت أوكرانيا تدرك أن الضمانات التي قُدمت لها لم تكن سوى وعود على الورق. فقد واجهت ضغوطًا متزايدة، سواء من روسيا التي لم تتخلَ عن نفوذها التاريخي على أوكرانيا، أو من الغرب الذي وجد في أوكرانيا ساحة مفتوحة لتنفيذ أجنداته الجيوسياسية.

 

وفي عام 2014، عندما اندلعت الأزمة في شبه جزيرة القرم، وجدت أوكرانيا نفسها بلا أي وسيلة لردع التوسع الروسي. لم تتحرك الدول الضامنة كما وعدت، ولم يتم فرض حماية فعالة على أوكرانيا، مما كشف زيف التعهدات الغربية، وبيّن أن مذكرة بودابست لم تكن سوى أداة لإفراغ أوكرانيا من قوتها، دون تقديم أي حماية حقيقية.

 

ومع تصاعد النزاع الروسي الأوكراني في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب التي اندلعت في عام 2022، أصبحت أوكرانيا في وضع لا تُحسد عليه. وجدت نفسها عالقة بين المطرقة والسندان: لا تستطيع مواجهة روسيا بقوتها الذاتية، ولا يمكنها الاعتماد على الغرب الذي يستخدمها كورقة ضغط في صراعه مع موسكو.

 

زيلينسكي واللعبة الخطرة

 

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هو مثال حي للزعيم الذي وقع في فخ الثعالب السياسية. فمنذ توليه السلطة، كان يعتقد أن الدعم الغربي غير محدود، وأن بلاده ستتمكن من مواجهة روسيا بفضل المساعدات العسكرية والاقتصادية.

 

لكنه اليوم يجد نفسه في وضع معقد، حيث بدأ الغرب نفسه في ممارسة الابتزاز السياسي والاقتصادي عليه، وأصبحت أوكرانيا دولة تابعة، لا تملك سيادة حقيقية على قرارها.

 

اليوم، نرى كيف أن السياسة الأمريكية والأوروبية تستخدم أوكرانيا كورقة مساومة، وكيف أن الدعم الذي كانت تتلقاه بدأ يتضاءل، وسط تهديدات بقطع التمويل العسكري والاقتصادي عنها إذا لم تنفذ الأوامر المرسومة لها.

 

العبرة لمن يعتبر: لا مكان للضعفاء في السياسة الدولية

 

إن ما حدث لأوكرانيا هو درس تاريخي لكل دولة تُفكر في التخلي عن قوتها العسكرية تحت وعود كاذبة.

 

السياسة الدولية لا تعرف سوى لغة القوة، والدول التي تتخلى عن سلاحها تحت مسمى “السلام” تجد نفسها لاحقًا فريسة سهلة في يد الأقوياء.

 

العالم اليوم لا يحترم سوى الدول التي تمتلك القوة وتحمي مصالحها بنفسها. فلو احتفظت أوكرانيا بترسانتها النووية، لما كانت اليوم في هذا الوضع الصعب، ولما أصبحت ساحة للصراع بين القوى العظمى.

 

النتيجة واضحة: من يرمي سيفه، يكتب على نفسه الذل والهوان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى