دروس قرآنية / مألنا وعاقبة أمورنا في أيدينا

بقلم // حسن عطوان

🖋 قال عزَّ من قائل في كتابه الكريم :

 

( قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) [ التوبة : 51 ]

 

والسؤال : إذا كان كلُّ ما يصيب الإنسان قد كتبه الله سبحانه له وعليه ، وأنَّ ما يفعله الإنسان من أعمال خير أو شر ، فهو مكتوب عند الله بشأنه منذ الأزل ، فلماذا يأمرنا الله ببعض الأمور وينهانا عن أخرى ، وفعل الخير وترك الشر ، كل ذلك مكتوب عنده على الإنسان .

 

وإذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يسعى الإنسان ويكدح في عمل وتعب وجهاد ؟!

وإذا كان الإنسان مجبوراً على أفعاله ، فلأي شيء يثاب فاعل الخير ؟!

وعلى أي شيء يعاقب فاعل الشر ؟!

 

🖋 الجواب :

 

– عند مراجعة الآيات المباركة التي سبقت الآية الكريمة مورد السؤال نجدها تتحدث عن صفات المنافقين وعلاماتهم .

 

فممّا جاء في تلك الآيات :

 

( لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَ سَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَ لكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّـهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَ اللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ) [ التوبة : 42 ]

 

وايضاً جاء فيها :

 

( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَ يَتَوَلَّوْا وَ هُمْ فَرِحُونَ ) [ التوبة : 50 ]

 

فسواء كانت هذه الحسنة انتصاراً علی العدو ، أو إيمان الناس بالإسلام ، أو أي تقدّم للمسلمين في مسارات أخرى .

 

– فهذه المساءة دليل علی أنَّ هؤلاء لم يلامس الإيمان قلوبهم ، بل ملأ الخبث تلك القلوب ، وإلّا فكيف يمكن لمَن له‌ أدنی إيمان أنْ يسوءه انتصار النّبي ( صلی اللّه عليه وآله وسلّم ) ؟!

 

– هؤلاء فرحون – كما تشير الآية الكريمة الآنفة الذكر – بأنَّهم لم يشاركوا المسلمين في بعض معاركهم التي قدّم المسلمون فيها تضحيات ، لأنّهم – كما يدّعون – كانوا يعرفون النتائج مسبقاً !!

 

– والله سبحانه يقول للنبي أنْ يجيب هؤلاء :

 

( قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّـهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَى اللَّـهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّـهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ) [ التوبة : 51 – 52 ] .

 

🖋 إذا عرفنا ذلك فنقول :

إنّه من الواضح أنَّ مآلنا وعاقبة أمورنا بأيدينا ما دام الأمر يدور في دائرة إمكاننا وقدرتنا وسعينا ، وهذا ما يصرح به القرآن الكريم في عدّة آيات ، منها :

 

قوله تعالى : ( وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعی )‌ [ سورة النّجم : 39 ]

 

وكقوله جلَّ وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) [ المدثر : 38 ]

 

– فالعمل والسعي وبذل الوسع والجهد ممّا يأمر الله عزَّ وجلّ به ، حتى في بعض القضايا الواردة في مورد الإعجاز ، كما في قصة ولادة السيدة مريم ( عليها السلام ) ، الإعجازية في جميع جوانبها ، ولكن حينما وصل الأمر الى ما هو داخل في إمكانها ، أُمرت بما تستطيعه :

 

( وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا ) [ مريم : 25 ]

 

🖋 أمّا ..

 

– حينما يخرج الأمر عن دائرة القدرة والوسع ، فإنّ يد القدر هي التي تتحكم بمآلنا وعاقبة أمورنا ، وما هو جار بمقتضی قانون الأسباب والمسببَات الذي ينتهي إلی مشيئة اللّه وعلمه وحكمته ، فهو الذي سيكون مقدّراً علينا ، وهو ما سيقع حينئذ .

 

– غاية ما في الأمر أنَّ المؤمنين باللّه وعلمه وحكمته ولطفه ورحمته ، يرون أنَّ هذه المقادير تجري وفق ما يراه ذلك اللطيف الحكيم من مصالح حقيقية لعباده ، وكلّ منهم يُبتلى بما يناسبه حسب جدارته .

 

– فالأمّة التي يغلب عليها النفاق والجبن والفرقة والتنازع فستُذَل ، وإنْ طالت أعمار أفرادها أياماً ، أو مُلئت جيوبهم ببضع دنانير !

 

– بخلاف الأمّة التي يغلب عليها الإيمان والبصيرة والوحدة والتصميم ، فمآلها الى عزّة ونصر ، وإنْ قدمّت التضحيات الجسام في طريق ذلك .

 

فالمُثْمَن العظيم لا يتأتى إلّا بثمن غالٍ .

 

🖋 وعليه : يتّضح أنّ الآية المباركة – مورد السؤال والإشكال – لا تتنافى مع مبدأ : أنَّ الإنسان قد خُلق مختاراً .

 

( إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً ) [ الإنسان : 3 ]

 

فهي لا تعني الجبر ، ولا تعني أنَّ الإنسان يمكنه أنْ يحقق ما يصبو إليه ، ويصل الى كماله المنشود في الدنيا والآخرة بدون سعي وبدون جهد وتضحيات .

 

والله العالم .

 

أرجو ألّا تنسوني بخالص دعائكم .

11 / رمضان / 1446 هج .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى