عالمية الدين الإسلامي وعالمية المسلم ضرورة حضارية لتحقيق الرسالة..!

بقلم// يحيى أحمد صالح سفيان 

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم
٧ رمضان ١٤٤٦ هجرية
٧ مارس ٢٠٢٥م

وإن كانت أُمتنا الإسلامية تمر بمرحلة إستثنائية مذ ٧ إكتوبر ٢٠٢٣م الذي من خلاله وتداعياته قد قامت المقاومة الفلسطينية واللبنانية وجبهات الإسناد بفعلٍ تفاصيله كثيرة وفي مجملها تؤكد على أنه فعلٌ حضاريٌ لأصالته الشرعية والقانونية والأخلاقية والعرفية وهو كذلك لِمَا نتج عنه من حقائق من خلالها يتبين ملامح مستقبل دول المنطقة واغلب دول العالم امنياً وسياسياً وإقتصادياً وثقافياً وبهذا شاء من شاء وابى من أبى فإن تحولاً إستراتيجياً يسير إليه كل الاطراف التي حركها ٧ إكتوبر اكان تحركاً في مساره او ضده فالخلاصة أن حرب أشتعلت وكانت شرارتها المدوية والاولى من فلسطين المحتلة وأن كيفما كان الواقع في هذا الوقت ومذ الاتفاق على وقف إطلاق النار فالحقيقة أن الحرب لم تنتهي لبقاء اسباب ٧ إكتوبر ولما مارسه الكيان الصهيوني وشركائه الدوليين من جرايم تستنكرها كل الشرائع والقوانين الدولية والاعراف الإنسانية وتعبر عن فشله وتؤكد على أنه كيان مجرم عنصري مجرد من الاخلاق ومن إنسانيته وإن كان المسار الذي وضعه ٧ إكتوبر وتفاصيل خمسة عشر شهراً من الحرب مسار إستراتيجياً يستدعي إستجماع القوى وتهيئة الطاقات لقوى التحرر والفعل الحضاري للمضي فيه لتحقيق الاهداف والإستحقاقات لشعب فلسطين المظلوم وكل شعوب المنطقة ودولها بل لامتنا الإسلامية ومن يشاركها بمختلف الأساليب والوسائل قيم الحق والخير والسلام في عالمنا الإنساني إلا أنه لابد أن لا يكون المسار الذي أختطه ٧ إكتوبر مساراً يفرض التموضع الحربي على كل المستويات والمجالات والمهام حتى وإن كان التموضع لا يخرج عن الافعال الدفاعية الحضارية التي يؤمن بها المتموضعون من أبناء أمتناء فعالمية ديننا الإسلامي تفرض ايضاً التحرك ببعض القوى والطاقات بحالات غير حالة التموضع الحربي ولكنه تحرك في نفس المسار وواجباً شرعياً في غاية الاهمية وسبباً في تحقيق حقيقة أن ديننا الإسلامي دين عالمي جاء برسالة تخاطب البشرية جمعاء متجاوزًا الحدود العرقية والجغرافية والثقافية فهو ليس دين قومية معينة ولا شعب خاص بل هو منهج حياة أنزله الله للعالمين كافة ليكون رحمة وهداية لهم .

يقول الله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ) سبأ ٢٨

وهذه العالمية ليست مجرد مفهوم نظري بل تقتضي أن يكون المسلم وخاصة العلماء والمفكرين والدعاة عالميين في تفكيرهم وأدوارهم حتى يستطيعوا إيصال الإسلام إلى واقع البشرية وتحقيق دوره في إصلاح المجتمعات والانظمة الحاكمة وإسعاد الإنسانية في حالة السلم او في حالة الحرب فأسُس ومقومات عالمية الدين الإسلامي واضحة وكفيلة بأن تجعل المهمة يسيرة إذ أن عالمية الخطاب والتشريع الإسلاميين يشكلا معطى لذلك كما أن الإسلام قد جاء بتشريعات تناسب كل زمان ومكان فلم يكن محصورًا في ثقافة أو بيئة محددة وقد أرسى قواعد عامة تقوم على العدل والرحمة والمساواة بين البشر بغض النظر عن أعراقهم أو ألوانهم أو أوطانهم كما أن عالمية القيم الأخلاقية السامية والفضيلة ومختلف المبادئ الإنسانية الإيمانية التي دعاء الإسلام إلى التمسك بها والحفاظ عليها وجعلها منهاجاً في القول والعمل كالحرية والعدالة والرحمة والأخوة والتعاون فهذه القيم تتجاوز الحدود الثقافية وتجعل من الإسلام رسالة عالمية صالحة لكل البشر كما أن إمتداد الإسلام جغرافيًا وثقافيًا حينما انتشر في القرون الاولى دليلاً على انه ديناً غير محدود بجزيرة العرب بل قد أمتد ليشمل مختلف بقاع الأرض حيث دخلت فيه أمم وشعوب مختلفة مما يدل على قدرته على التكيف والتفاعل مع المجتمعات كافة وأعتقد أن ذلك الإنتشار في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن في الحقيقة إلّا لأن المؤمنين آن ذاك قد كانوا أيضاً عالميين في تفكيرهم وفي فهمهم وفي مشاعرهم وإن كانت عالميتهم هذه مع تقادم الزمن قد انكمشت إلا ان فكرة عالمية المسلمين قد كانت حقيقة على الواقع وممكن أن تبرز مجدداً وعلى هذا فعالمية المسلم ضرورة لتحقيق عالمية الإسلام فإذا كان الإسلام دينًا عالميًا فإن ذلك يفرض على ابناء أمتنا وخاصة العلماء والمفكرين والادباء والدعاة أن يكونوا عالميين في فكرهم وأسلوبهم وانفتاحهم على العالم ليتناسبوا مع طبيعة الرسالة التي يحملونها فلابد من عالمية الفكر والانفتاح على الثقافات إذ يجب على المسلم أن يكون مطلعًا على الثقافات المختلفة متفاعلًا مع الحضارات الأخرى مستوعبًا التحديات الفكرية والإنسانية التي تواجه البشرية حتى يكون قادرًا على تقديم الإسلام كحلول عملية لمشكلات العصر فلابد من التواصل مع العالم بلغته وأدواته فلم يعد الخطاب المحلي أو الإقليمي كافيًا لنقل الإسلام إلى العالم بل يجب على المسلم أن يتعلم اللغات العالمية وأن يستخدم وسائل الإعلام الحديثة والتكنولوجيا ومنصات التواصل ليخاطب العالم بلغة يفهمها ولابد من التحرر من العصبيات والانغلاق فعالمية ديننا الإسلامي تفرض على المسلم تجاوز العصبيات القومية والمذهبية والنظر إلى البشرية كلها بنظرة أخوة إنسانية وفقًا لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) الحجرات ١٣ فالتعارف وكما قلت في مقالات سابقة منذ وخلال عامين ماضيين هو الأصل ما لم يكن هناك موانع ادبية وشرعية وأخلاقيةكما هو الحال في التعارف وإقامة العلاقات الثنائية مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين والمجرم بحق الشعب الفلسطيني فجملة من الموانع الأدبية والاخلاقية والشرعية تؤكد على كل ابناء امتنا وكل من يؤمنون بالحرية وبالقواسم الاخلاقية الإنسانية المشتركة أن لا علاقة مع الكيان الصهيوني المحتل المجرم العنصري المتمرد على كل القوانين الدولية والاعراف الإنسانية والمصر على أن يبقى سبباً ومهدداً للأمن والإستقرار في المنطقة والتعايش السلمي بين عالمنا الإنساني شعوباً ودولاً .

وبالعودة إلى عالمية الإسلام وعالمية ( المسلم ) فإن دور العلماء في تحقيق عالمية الإسلام هو غاية الأهمية فهم ورثة الأنبياء ودورهم أساسي في توجيه الأمة الإسلامية نحو العالمية الحقيقية كما أن المفكرين والأدباء والفلاسفة والكُتاب والإعلاميين لهم الدور الأبرز والرئيسي في إنتاج المعرفة الإسلامية عالميًا فيجب على كل هؤلاء الرموز أن يسهموا في إنتاج فكر إسلامي عالمي يجيب عن تساؤلات العصر ويربط بين التراث الإسلامي والعلوم الحديثة ويقدم الإسلام بصورته الحقيقية كمنهج حياة شامل ولابد من المشاركة العلمية الحضارية في المؤتمرات والحوارات الدولية وينبغي المشاركة في المنتديات العالميةوالحوارات الثقافية والدينية لنقل الرؤية الإسلامية حول القضايا الكبرى التي تواجه البشرية مثل العدل والسلام والتعايش والبيئة والتكنولوجيا وعلى هذا لابد من تدريب وتأهيل الدعاة والمفكرين العالميين فالإسلام يحتاج إلى دعاة ومفكرين يجمعون بين الفقه الشرعي والفهم العميق لقضايا العالم ويجيدون التعامل مع مختلف الفئات والمجتمعات حتى يكون خطابهم مؤثرًا ومقبولًا عالميًا فإن عالمية الإسلام ليست مجرد شعار بل هي حقيقة يجب أن تنعكس في فكر وسلوك المسلمين وخاصة العلماء والمفكرين والادباء والفلاسفة والدعاة فحتى تتحقق عالمية الإسلام على أرض الواقع لابد أن يكون المسلمون أنفسهم عالميون في فكرهم وخطابهم ومحاكاتهم للآخر وانفتاحهم وأساليبهم وأدوارهم ولابد ان يوازي كل هذا حركة ترجمة لكل النتاجات الفكرية والعلمية والادبية والفلسفية عندها فقط يستطيع الإسلام أن يؤدي دوره في إرشاد البشرية ونشر العدل والسلام وكل القيم الاخلاقية التي لا يقوم العدل والسلام على ارض الواقع الا بذلك من الاخلاق فهذا مسار لابد منه إلى جانب التموضع الحربي والإستعداد الدفاعي لكل التهديدات والمخاطر والمؤامرات التي تعدها الصهيونية العالمية وكيانها المجرم وشركائه الذين تحركهم لوبيات الصهيونية العالمية التي تسيطر اليوم على مساحات واسعة من السياسات الخارجية للكثير من الدول سعياً للمزيد من السيطرة على العالم وإخضاعه لقيمها العنصرية والإجرامية والضلالية……

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى