الإيثار، الفضيلة الغائبة..!

بقلم // كوثر العزاوي

 

الإيثار مفهوم إنسانيّ راق، وهو ناتج عن الدوافع التي تقود لعمل الخير للآخرين والعطاء دون مقابل، كما أنه صفة جميلة من صفات الكمال الأخلاقيّ، وهو عكس الأنانية، وغالبا مايتعلق هذا المفهوم بمقدار تعلُّقِ صاحبه بالخالق “عزوجل” بدافع الإيمان وصدق التوحيد، فكلما ترسخ حب الله في القلوب كلما زاد حب الخير للغير على حساب النفس وملذّاتها ومشتهياتها. يقول الله “عزوجل”: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ الحشر: ٩

فالمعنيّون في هذه الآية بأبسط المعاني، بأنهم الذين يقدّمون حاجات الآخرين على حاجات أنفسهم، ويبدؤون بالناس في كل حاجة. هذا على صعيد الإحتياج المادي، أما لو نظرنا إلى المعنى الآخر لمفهوم الإيثار على الصعيد المعنوي، فقد نجد من بين المعاني السامية بما يعني”المواساة” أي أن يُنزِل المؤثِر غيره منزلة نفسه في النفع له والدفع عنه، وأن يقدّم غيره على نفسه، وهذا منتهى الإحساس الايماني، وأعلى مراتب الانسانية. ولعلّ أرقى معاني الإيثار وأعلى المصاديق للآية التي ذكرنا هو: تجسيد مولانا أبي الفضل العبّاس لهذه الفضيلة مع أخيه الحسين “عليهما السلام” يوم عاشوراء، ليصبح المثال الأوضح الذي يفوق ويتصدر كل مصاديق الإيثار، حينما آثر العباس أخاه الحسين بنفسه، وفداه بروحه، فلم يشرب الماء الذي صار طوع كفّيه مع شدة ظمأهُ وحاجته له، بل رماه بحسم، ليقضي عطشانا على ضفة الفرات البارد. ترى هل أدرك أتباع آل محمد “عليهم السلام” حركة حياة أسوتهم وقدوتهم، وهم مَن ضرب أروع الأمثلة في الإيثار؟ حيث كانوا يؤثرون على أنفسهم بِقُوتهم ولباسهم ومسكنهم، وحتى أرواحهم! فإذا كان الإنسان متأسيًا بأهل البيت “عليهم السلام” حتما يستطيع أن يصل إلى مرتبة الإيثار بمقدار أقلّ مايقال عنه هذا شيعيّ! سيما وأننا نعيش في مرحلة فيها الكثير من الموارد التي تقتضي إفشاء هذه القيمة العظيمة بين المؤمنين، ولعلها فرصة لأن يكون أحدنا مصداقًا لمفهوم الإيثار، ليعيش لذة العطاء والسخاء، والفرح الروحي مع الفقراء والمحتاجين والمنكسرين! سيما وأنّ لنا في آل محمد “عليهم السلام” أروع أمثلة الإيثار وأجملها، ومن يتأمل قصص إيثارهم وعطائهم الثرّ يحسبه ضربًا من خيال، ومن أراد المزيد فليطالع سيرتهم. قال رسول الله “صلى الله عليه وآله”: {من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة، ومن أحب شيئًا فجعله لله، قال الله تعالى يوم القيامة: قد كان العباد يكافِئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافئك اليوم بالجنة}.

 

١١-رمضان-١٤٤٦ هجري

١٢- آذار- ٢٠٢٥ميلاي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى