قراءة في كتاب “حكايتي مع التدين”
الورقة الخامسة
بقلم // د.أمل الأسدي
يتحدث المؤلف هنا عن وجود تراكمات كثيرة وتساؤلات عديدة جعلته يقف مع نفسه وينظر إلی حياته وعلاقته بالدين، فيصف نفسه بأنه كان جزءا من قافلة تضل الطريق في الصحراء ولكنها تظن أنها تسلك الطريق السليم، أو أنه كان ضمن جموع بشرية تسير، ويظن أنها تسير نحو الوجهة الصحيحة وهي ليست كذلك! لهذا احتاج أن يراجع نفسه وهو في خريف العمر، وهو في ذلك يبين نقطتين رئيسيتين وهما: إنه لم يكن يظهر شيئا ويخفي شيئا؛ وإنما كان يخاف الله ويخشاه ويتوجه إليه بإخلاص.
والنقطة الأخری: يبين أنه لم يكن يتظاهر بالتدين ليخدع الآخرين مطلقا، إنما وجد نفسه متدينا صوريا، وأن تدينه سطحيٌّ لايمس جوهر الإسلام الذي أراده الله ورسوله، لهذا طرح السؤال الآتي:
هل هذا هو الإسلام الذي جاء به الرسول الأعظم(صلی الله عليه وآله)؟!
لايمكن أن يكون هذا هو الدين الخاتم، فالمجتمع يعج بالخطباء والعلماء والواعظين والجوامع والمجالس والمكتبات ومع ذلك فإنه مجتمع تسوده العصبيات وينتشر فيه التحاسد والفقر والتخلف والمصالح الشخصية!
يقول المؤلف: إن جلسة المراجعة التي عقدتها مع نفسي قادتني الی مجموعة من الأسئلة وهي:
ـ لماذا ألوم المجتمع وأحمّله مسؤولية عدم الالتزام بالدين؟
ـ لماذا لا أواجه نفسي وأحاسبها عبر مكاشفة ذاتية صريحة؟
ـ هل أن سلوكي ومواقفي وتصرفاتي تنسجم مع منهج الإسلام؟
كان تبلور هذه الأسئلة بمثابة محطة مصيرية في حياتي،
شعرت علی أثرها أني قد أضعت حياتي وأنا مشغول بعبادة شكلية صورية بعيدة عن المضمون، إذ كنت أحمل أفكارا وأحفظ مقولات وظننت أني متدين ورآني الآخرون هكذا، ولكني بعد التقييم الذي وصلت إليه تبيّن أني لم أكن متدينا وإنما كنت صورةً ظاهرة عن حالة التدين، أعترف بهذا وأشهد على نفسي بذلك.
يستمر المؤلف في حواره الداخلي الصريح قائلا:
في مرات كثيرة تحدثت عن الكذب وقبحه وحرمته واستشهدت بالآيات والأحاديث، لكني كثيرا ما وقعت مع هذا الذنب! وتحدثت عن الزهد وفضله ووعظت الآخرين به؛ لكني عشتُ عمري بعيدا عنه!!
وتحدثت عن التسامح مع المؤمنين ولكني كنت متشددا مع العديد من الأصدقاء وقاطعتهم، وهكذا تحدثت عن البخل وذممته، وتحدثت عن الغيبة وحرمتها، وعن العجب والغرور والنهي عنه …الخ لكني كنت أقع في ما أحث علی اجتنابه!
و لا أدري كم عدد المرات التي بسطت فيها حديث الرسول (صلی الله عليه وآله) مبينا وحاثا: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) لكني كنت أحب لنفسي أكثر مما أحب لإخواني المؤمنين.
وكثيرا ما شجبت ما يفعله الناس في الطريق من عدم الاهتمام بنظافته ونظامه ونسيت أني مثلهم ولا أختلف عنهم!
قضايا كثيرة أخرى كنت أرفضها في كلامي
وحين يدور الحديث عنها مع أصدقائي وفي المجالس الخاصة والعامة، لكني كنت أقوم بها، كنت أرفضها من أعماقي وأشعر بأني صادق مع نفسي في رفضها، لكني لم ألتفت الى عدم التزامي بها! وحين تأتي الفرصة للقيام بها أنصرف عنها غير مكترثٍ!
وهذه هي المشكلة، هي النقطة التي توصلت إليها في مراجعتي لقصة حياتي مع التدين. وكان عليّ أن أعيد تشكيلها من جديد، فحين تكون القضية متعلقة بالعلاقة مع الله تعالى، فلا مجال للتهاون والتأخير سواء كان الإنسان في شبابه وعنفوانه أم كان متقدما في عمره.
🔻للحديث بقية