دروس مستوحاة من معركة بدر الكبرى

بقلم // د. محمد العبادي

كان المسلمون يمارسون ويدعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وهناك توصية إلهية وتأكيدات نبوية أن يكون الجدال مع الآخرين بالتي هي أحسن . كانت الدعوة الإسلامية في بداية انطلاقها قد استقطبت إليها بعض الأفراد ، لكنها قوبلت بالرفض الشديد وبالردود العنيفة من قبل عتاة قريش ومشركيها، ودخل المسلمون في مرحلة دفاعية طيلة الفترة المكية قبل الهجرة حيث تعرضوا للمضايقات وللتعذيب والحصار والمقاطعة التامة؛ اضطروا بعدها إلى الهجرة :
وما عن قلى فارقت دار معاشري *** هم المانعون حوزتي وذماري
لقد نبذتهم مكة كرها لهم، واستقبلتهم المدينة حباً بهم، وتنفسوا الصعداء بعد ذلك الكرب العظيم. لقد سعى الرسول الكريم أن يؤسس لتوطيد أواصر الأخوة بين المسلمين وأن يجمعهم على كلمة واحدة لينطلق ببنائهم وتآخيهم وتماسكهم إلى بناء الدولة، وقد تم له ما أراد في وقت قياسي . لم يمض على هجرة النبي إلى المدينة سوى سنتين لتحدث معركة مهمة مع العدو التقليدي العريق ( المشركون والكافرون في مكة ).
لقد حدثت معركة بدر في 17 / شهر رمضان / 2 هجرية ، إنّها معركة لم يخطط لوقوعها المسلمون، بل كانت معركة تراكمية نتيجة الصراع المستمر الذي تبنته قريش ضد المسلمين .
لم يكن في البين معلومات أكيدة عن تعرض تجارة قريش إلى حملة من قبل المسلمين ، وإنما كان هناك حدسيات وتكهنات تدور في رأس أبو سفيان ـ عندما رأى آثار خيول في الصحراء ـ ونبت في رأسه ان المسلمون ينوون اعتراض قافلتهم التجارية ، ولذا اتخذ إجراءً احترازياً بتغيير مسير القافلة ، وسلك طريق الساحل .
لقد لعب أبو سفيان دوراً كبيراً في تأجيج مشاعر قريش وتحريك كبريائها عندما أرسل الضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة يستنفر أهلها للدفاع عن أموالها . وقام هذا الأخير بجدع أنفه ، وقَدّ قميصه ليلهب نار الحمية عند القريشيين .
لقد تجهزت قريش بجيشها ولجبها للإنتقام ، وأعدوا جيشاً قوامه (1000) مقاتل ، وكان لديهم (100) فرس، و(700) جمل ، وقد ضم ذلك الجيش رؤوس الشرك مثل: العدو العنيد أبو جهل ( عمرو بن هشام بن المغيرة)، وعتبة بن ربيعة، وشيبة، والوليد بن عتبة ، ورحلوا جميعاً نحو الحرب .
المسلمون كانوا فئة قليلة قوامها (313) مقاتلاً ، وكان معهم فرسان فقط ، و70 جملاً يتناوبون عليها بين الترجل والركوب . لقد كانت الرحلة شاقة إذ طوى المسلمون حوالى (150) كم في ثلاثة أيام؛ في حين طوى المشركون حوالي( 90) كم ، والتقى الجمعان في بدر ، ودارت دائرة الحرب على الذين كفروا ؛ فقد شارك الإمام علي عليه السلام وحمزة في قتل الوليد بن عتبة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة ، وانتضى المسلمون سيوفهم ومالوا إليهم ميلة واحدة، وشدوا عليهم فأحكموا الطوق فيهم قتلاً ، وقتلوا قادتهم الكبار وولوا جمعهم الأدبار ، وتركوا جرحاهم وقتلاهم في ساحة الحرب .
نعم لقد أسفرت معركة بدر عن نصر واضح للمسلمين، وهزيمة منكرة للكافرين حيث تلقوا ضربة نفسية كبيرة نالت منهم ، وكانت خسائر قريش (70) قتيلاً ؛ قتل ثلثيهم الإمام علي عليه السلام ، وشارك المسلمون في الثلث الباقي، كما تمكنوا من السيطرة على ( 70) أسيراً أخذت قريش فيما بعد تستشفع القبائل في إطلاق سراحهم .
لقد كانت معركة بدر نقطة عطف حاسمة في تاريخ المسلمين ؛ حيث أتى المسلمون على هيبة قريش وشوكتها فنسفوها نسفاً ، وتحول ميزان القوى لصالحهم، ورفع هذا النصر من معنوياتهم وعزز مكانتهم بين القبائل العربية، بل عزز من قوتهم ومكانتهم الإستراتيجية، وتغيرت النظرة إليهم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى