بين الدولة العميقة والحرب الداخلية إسرائيل تعاني انقساماتٍ حادة
كنوز ميديا – متابعة
مجموعة ملفات ملحة ترسم المشهد السياسي الداخلي في “إسرائيل”، وتثير تساؤلات حول دور “الدولة العميقة” ومن تمثّل؟ وإن كانت هذه الأزمات تقود إلى حرب داخلية أم لا.. فما هي حقيقة المشهد؟
طفت على سطح المشهد الداخلي في “إسرائيل” خلافات حادة بين المسؤولين الإسرائيليين، أجّجتها قرارات حكومية عُدّت استفزازية وانقلابية على الحياة السياسية، برز منها قرار الحكومة الإسرائيلية بالإجماع إقالة رئيس جهاز الأمن العامّ، الشاباك، رونين بار من منصبه، وما رافق ذلك من سجالات حادّة.
قرار ثانٍ أجج نار الخلافات بين أطياف “المجتمع” الإسرائيلي تمثّل باتخاذ الحكومة الإسرائيلية قراراً، بالإجماع أيضاً، للبدء بإجراءات إقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، من منصبها.
واكتملت حلقة الخلاف، مع إقرار “الكنيست”، مساء الأربعاء، قانون تغيير تركيبة لجنة اختيار القضاة، لتصبح أكثر قرباً من المستوى السياسي والائتلاف الحكومي. وفيما رفع نتنياهو عنواناً لمعركته يتمثّل في تقويض “الدولة العميقة”، شهر معارضوه في وجهه سلاح الرعب المتمثّل في التحذير من “الحرب الأهلية”.
نتنياهو يُقيل رئيس الشاباك: “لا ثقة لي به”
أثار قرار الحكومة الإسرائيلية إقالة رئيس الشاباك من منصبه، عاصفة سياسية، ولا سيما بعد أن تدخّلت المحكمة العليا، وطلبت تجميد قرار الإقالة لحين البتّ بالالتماسات ضده. وأفادت قناة “كان” الإسرائيلية، في تقرير لها، بأنّ إقالة بار، أثارت جدلاً واسعاً في المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث رحّب بها حلفاء نتنياهو واعتبروها ضرورية، فيما هاجمتها المعارضة ووصفتها بأنها محاولة للتهرّب من المسؤولية والتدخّل في استقلال الأجهزة الأمنية.
وكانت الحكومة الإسرائيلية قرّرت بالإجماع، الخميس الماضي، وفقاً لبيان صادر عن مكتب رئيس الحكومة، مقترح نتنياهو بإنهاء ولاية رئيس الشاباك رونين بار، بتاريخ 10 نيسان/أبريل، أو عندما يُعيَّنُ رئيس دائم للشاباك.
كما نُقل عن رئيس الحكومة قوله في جلسة الحكومة، إنه يوجد عدم ثقة برئيس الشاباك، فهو ليس الرجل المناسب لإعادة تأهيل الجهاز. واتهم نتنياهو بار بأنه ينتهج مقاربة ناعمة وغير شديدة بما يكفي، وهو يستسلم بسرعة كبيرة، لذلك تحصل “إسرائيل” على مخطوفين أقل في المفاوضات.
واتهم مصدر سياسي، بحسب صحيفة “إسرائيل هيوم”، بار بأنه يواصل التشبّث بالكرسي، ويعمل على حبك تحقيقات فارغة لا أساس لها من الصحة. وأضاف المصدر بأنه أُتيحت لبار فرصة التقاعد بكرامة، بعد فشله المرير في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مثلما فعل رئيس الأركان المنصرف. لكنه فضّل عدم استغلالها. كما اتهمت مصادر في مكتب رئيس الحكومة رئيس الشاباك بأنه “هدّد المكتب واخترع تحقيقات” (في إشارة إلى قضية قطر غيت).
كما هاجم عدد كبير من الوزراء وأعضاء الكنيست، كوزير الخارجية، جدعون ساعر؛ وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش؛ وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير؛ بار بشدة، واتهموه بأنه فشل في مهمته المتمثّلة بأن يكون “حارس البوابة” في “إسرائيل”. وهاجم أعضاء الائتلاف، المحكمة العليا، بعد أن أصدرت أمراً مؤقتاً بتجميد إقالة رئيس الشاباك، من منصبه، وذلك إلى حين النظر في الالتماسات المقدّمة ضدّ قرار الحكومة بهذا الشأن.
وجاء في قرار المحكمة أنه ستُعقد جلسة للنظر في الالتماسات في موعد أقصاه الثامن من الشهر المقبل، أي قبل يومين من الموعد الذي حددته الحكومة لتنفيذ الإقالة. ومع ذلك، سمحت المحكمة العليا لنتنياهو بالشروع بإجراءات تعيين خليفة لرئيس الشاباك، وردّت طلب المستشارة القانونية للحكومة، بهاراف-ميارا، بتوسيع أمر تجميد إقالة بار، بما يشمل إجراءات تعيين البديل، إلى حين البتّ في الالتماسات ذات العلاقة.
قادة المعارضة: نتنياهو يمزّق “إسرائيل”
ومن جهة المعارضة، أفادت تقارير أنّ قادتها، يائير لبيد، بني غانتس، أفيغدور ليبرمان، ويائير غولان ناقشوا في اجتماع لهم قرار نتنياهو إقالة رئيس الشاباك، واتهموه بأنه يعمل على تخريب تحقيق جنائي خطير في المخالفات الأمنية في مكتبه (قطر غيت). كما اتهم قادة المعارضة، نتنياهو، بأنه يُمزّق “إسرائيل” من الداخل، ويدفع إلى حرب داخلية، إذ “بدلاً من أن يسحق أعداء إسرائيل، يسحق المجتمع الإسرائيلي من الداخل”.
وعلّق بني غانتس قائلاً: “إقالة رئيس الشاباك لأسباب سياسية هي وصمة عار على جبين كلّ وزير في الحكومة صوّت لصالح القرار، وسيُذكر هذا القرار بالخزي والعار إلى الأبد”. وحذّر غانتس في لقاء جمعه مع وزير القضاء من أن “إسرائيل على حافة حرب داخلية”.
ورفع بار منسوب التحدّي في مواجهة نتنياهو والحكومة الإسرائيلية، إذ رفض، بحسب مراسلة الشؤون السياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، موران أزولاي، طلب الحكومة منه أن يحضر في جلسة إقالته، وأرسل رسالة تتضمّن اتهامات شديدة ضد الحكومة ورئيسها.
وفي مقابل دفاع أعضاء الائتلاف الحكومي عن صوابية قرار إقالة بار، انتقد مسؤولون سابقون وخبراء إسرائيليون هذه الخطوة، ووصفوها بأنها غير أخلاقية، قبل أن تكون غير قانونية، ورأوا أنها ستؤدي إلى أزمة دستورية، وستتسبّب بخطر حقيقي يهدّد “الديمقراطية الإسرائيلية”.
وفي سياق ذي صلة، أفاد موقع “واللا” أن مواجهة غير عادية وقعت (الأحد) بين وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ورئيس الشاباك رونين بار، في أعقاب كشف تقرير تلفزيوني بأنّ بار أمر بفتح تحقيق ضد بن غفير والشرطة، بشبهة “تقويض نُظم السلطة في الدولة”، حيث اتهم الأخير رئيس الشاباك بأنه مجرم كذّاب، ويحاول تنفيذ انقلاب.
وبحسب مراسل الشؤون العسكرية في القناة 12، نير دفوري، فقد تطوّر الخلاف بين بار وبن غفير، لدرجة أن رئيس الموساد ورئيس الأركان حاولا الفصل جسدياً بين بن غفير وبار. ونقل دفوري عن أحد الحاضرين في الجلسة قوله إن “الأمر بدا كما لو أن بن غفير كان على وشك خنق رئيس الشاباك”. وبعد تفاقم الأمور، تبنّى نتنياهو وجهة نظر بن غفير، فأصدر بياناً ورد فيه أن التوجيه الصريح من رئيس الشاباك لجمع الأدلة ضد المستوى السياسي، يُذكّر بأنظمة مظلمة، ويُقوّض أسس الديمقراطية، ويهدف إلى الإطاحة بحكومة اليمين.
الحكومة تُقيل مستشارتها القانونية: “لا تمثّلنا”
فُتحت نافذة جديدة في “إسرائيل” لإدخال رياح إضافية تُؤجّج الخلافات والانقسامات الداخلية، مع بدء الحكومة الإسرائيلية بإجراءات إقالة المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهاراف-ميارا، من منصبها، حيث صوّت الوزراء، بالإجماع، خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة، الأحد، على إقالة المستشارة القانونية للحكومة من منصبها، في وقت غاب فيه نتنياهو، عن إدارة النقاش حول الأمر، والتصويت عليه، (بسبب اتفاق تضارب مصالح يمنعه من ذلك).
وسبق ذلك، شنّ نتنياهو ووزراء في حكومته حملة قاسية ضد بهاراف-ميارا، حيث نقل مراسل الشؤون السياسية في القناة 14، موطي كاستل، عن رئيس الحكومة قوله في “خطاب ناري” ضد المستشارة القانونية للحكومة، إن “دولة تل أبيب تريد أن تكون كل السلطة بيد المحكمة، لسبب وحيد، هو أنه لا يمكنهم (المعارضة) الفوز في صناديق الاقتراع، ونحن الآن نعيد السلطة إلى الشعب، وما كان قبل 10 سنوات قد انتهى”. وأضاف نتنياهو بأنّ الأميركيين تحدّثوا معه عن “الدولة العميقة”، فقال لهم: “عندكم بركة مياه صغيرة. عندنا محيط”.
بدوره، هاجم وزير القضاء ياريف ليفين (من الليكود)، المستشارة القانونية للحكومة، بحسب قناة “كان” الإسرائيلية، ووصفها بأنها ذراع للمعارضة. وأعدّ ملفاً من 86 صفحة، عرضه على الحكومة، تمهيداً لإقالتها. واتهم ليفين، بهاراف-ميارا بأنها “في حين تتغنّى بقيم الديمقراطية، قامت بتدمير هذه المبادئ التي تدّعي الدفاع عنها”. بحيث تحوّل تحت قيادتها، منصب المستشار القانوني للحكومة إلى “سلطة سياسية قمعية، أحياناً عنيفة ومتسلطة”.
وشدّد ليفين على أن “طريقة اختيار المستشار القانوني، وصلاحياته ومكانته كما هي في إسرائيل، تشكّل استثناءً في النظام الديمقراطي… بأن يكون المستشار القانوني غير خاضع لثقة الحكومة، لكنه يتمتع بصلاحيات ومكانة تتجاوز الاستشارة”.
وردّت المستشارة القانونية للحكومة على الهجوم عليها برسالة وجّهتها إلى الوزراء، هاجمت فيها الحكومة، وكتبت فيها: “إن الاقتراح لا يهدف إلى تعزيز الثقة، بل الولاء للقيادة السياسية. وليس الحكم الرشيد، بل سلطة حكومية بلا حدود، كجزء من تحرّك أوسع نطاقاً لإضعاف السلطة القضائية وردع المستويات المهنية كافة… تسعى الحكومة إلى أن تكون فوق القانون، وأن تتصرّف من دون ضوابط وتوازنات، حتى خلال الفترات الأكثر حساسية – حالة الطوارئ، والاحتجاجات ضد الحكومة، وفترات الانتخابات”.