مسلسل النقيب من زاوية أخری

كنوز ميديا _ د.أمل الأسدي

 

اقترح عليّ الكثير من المتابعين أن أشاهد مسلسل النقيب كي أكتب عنه كما كتبت عن مسلسل العشرين من زاوية مختلفة، وبالفعل استجبت لهذا المقترح ولكن قبل البدء بمشاهدته، عدت الی المصادر التي تتحدث عن الشهيد”حارث السوداني” وعن دوره وتأثيره، ثم شرعت بمشاهدة المسلسل الذي يشدك إليه ويأمرك بمواصلة المتابعة بخوفٍ وحذرٍ وترقب، فيصطحبك حارث السوداني معه، ويدخلك عالم التحدي والمغامرة، ويريك أسطورةً عراقيةً حقيقيةً لم يضف عليها الخيال، ولم يخلقها الافتراض، ومن لحظتها وأنا محتارة في أي زاويةٍ جديدة سأكتب؟

ثم رأيت أن الزاوية الأهم التي ينبغي الكتابة فيها؛ هي قضية عودة ثقة المواطن بالأجهزة الأمنية.

نعم، إنه الموضوع الأهم الذي استهدفه الإعلام علی مدار عقدين تقريبا، وعمل علی إضعافه بكل ما يتمكن، تارةً بالتهجم وتزييف الحقائق، وتارةً بالسخرية والإسفاف، والخط الثاني هو الأقوی؛ إذ هشّم صورة رجل الأمن العراقي وحوله إلی أضحوكة وأظن أن شخصية “كامل مفيد” ورفيقه” حموشي” في ولاية بطيخ هي المثال الصارخ علی ما نقصد!!

حتی استقرت الصورة المشوهة لرجل الأمن في أذهان الناس، الصورة المرتبطة بالجبن والهزيمة والانفلات والرشوة والتفاهة والدونية والركض خلف الفساد الأخلاقي والتستر عليه!

استمر ذلك حتی جاء مسلسل النقيب ليعصف بذهن المتلقي وينتشله من التنميط الذي خلقه الاستهداف الذي ذكرناه، ويعيد ثقة الناس بالمؤسسةالأمنية ويكشف لهم السياقات التي تم إخفاؤها عنه عبر التزييف والتضليل الإعلامي، جاء مسلسل النقيب ليرسم للشباب وللناس جميعا صورةً جديدة عن رجل الأمن، صورةً حقيقية واقعية، فلا يستطيع المتلقي إلا أن يشعر بالفخر والزهو والشكر والعرفان حين يتابع أحداث المسلسل، فذلك الرجل الشاب الهادئ، يخوض ملحمةً بطوليةً فريدة، لم يشهد العراق مثلها، ولم تشهد المنطقة مثلها، وهذه الملحمة يقدمها فريق من الفنانين الذين أجادوا أيما إجادة في الأداء، فلايمكنك أن تتصور ” ابو قتيبة” إلا مجرما! ولايمكنك إلا أن تفرح بلحظة ترحيله! ولايمكنك أن تتصور” ابو مريم” إلا بصورة المجـرم العميق، الذي يخفي إجرامه تحت ابتسامةٍ مسمومة، وكذا الحال بالنسبة لبقية الشخصيات، الشريرة والخيرة، فـ “حيدر ابو العباس” بهدوئه وحكمته وصبره جسّد بطولة حارث السوداني بواقعية فنية ملفتة! وعواطف السلمان قدمت صورة الأم العراقية الشجاعة بواقعية فنية مدهشة!

نعم، إن مسلسل النقيب أزال أثر استهداف المؤسسة الأمنية من إعلام الأجندات وتمظهراته.

🔻أما النقطة الأخری المهمة التي حققها المسلسل أنه وقف ضد اغتيال الحقيقة، فهو توثيق حيٌّ لأحداثٍ واقعية، تلاحقها ماكنة التزييف والتضليل لطمسها وتغييبها، فهذا هو العراق، وهولاء أبناء العراق الذين دافعوا عن بلدهم وحموا بغداد من السقوط، وهذا رصيدنا البطولي، وهذه كف”البصري” الكف الحقيقية التي تخطط وتحمي وتصون وهي ناكرة لذاتها، لاتريد الظهور، ولاترغب بالتفاخر.

 

🔻 أما النقطة المهمة جدا فهي قضية دور الدراما في تشكيل الهوية، فهذا المسلسل ومسلسل العشرين ومسلسل آمرلي، قاعدة أو ركيزة أولی لهذا الموضوع، فمن حق الجمهور، ومن حق الشعب أن يری دراما تشبهه، تعالج مشكلاته. وتعكس حياته، وتعلّم أبناءه، تسهم مع البيت في تربيتهم، فمثلما يسمع الطفل أو الصبي أو الفرد عموما عن بطولة العباس بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام) من والديه أو من المنبر، صار يسمع بها ويراها عبر الشاشة. ويری انعكاسها في الواقع، ويتحسس فضلها في حماية النفس والوطن، وهذا بحدّ ذاته طريقة معالجة ذكية ترد ما خلقه الإعلام المعادي وزجه في ساحتنا؛ أعني أُكذوبة تصادم الهويات، فهذا البطل حارث السوداني بشخصيته العسكرية الحازمة قد جعلته هويته العقائدية خادما للناس والوطن، فضحی بنفسه من أجلهم، وهذه الحال تنطبق علی سائر الشهداء والقادة الذين بذلوا أرواحهم فداءً للوطن.

وأنا الآن كمواطنة عراقية أفخر ببطولة حارث السوداني، وكأكاديمية عراقية أفخر بهذا العمل الدرامي مع أنني كنت أتمنی أن يكون النص أعمق من ذلك وأوسع، ليبين للناس آلية اختراقه للتنظيم الإرهابي وقدرته علی ذلك، وكيف انضم مع أخيه الی السلك الأمني، وقبل ذلك كان بود الجمهور أن يتعرف علی تفاصيل حياته ونشأته وتربيته التي صنعت منه قائدا.

إذن؛ علينا أن نستفهم الآن ونسأل: كم من المراتب والضباط والقادة، من الأحياء والجرحی والشهداء يمتلكون قصصا بطوليةً فريدةً ولم يعلم بها الناس حتی الآن؟ فهم كالجدي المجهول الذي جاهد وضحّی بالغالي والنفيس من أجل الأرض والعرض. ومن هذه المحطة الدرامية نأمل أن ننطلق لتوثيق هذه القصص وهذه البطولات…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى