التعرفة الأمريكية تُشعل المواجهة: هل يدخل العراق حرباً تجارية لحماية اقتصاده الريعي؟
كنوزميديا_ بغداد
في ظل القرارات الأمريكية الأخيرة برفع التعريفات الكمركية على واردات دول عدة، تتجه الأنظار نحو العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الاقتصاد الريعي، لمعرفة كيف سيتعامل مع هذه الموجة الجديدة من السياسات الحمائية، خاصةً في ظل تشابك مصالحه الاقتصادية مع الولايات المتحدة وتزايد الضغط على الأسواق العالمية.
الاقتصاد الريعي في مرمى النيران
يعتمد العراق بشكل رئيسي على تصدير النفط، الذي يمثل أكثر من 90% من إيراداته العامة. هذا الاعتماد الشديد على مصدر واحد للدخل يجعل من الاقتصاد العراقي هشاً أمام أية تحولات تجارية أو سياسية عالمية. وقرار واشنطن بفرض تعريفات كمركية جديدة قد لا يمس العراق بشكل مباشر من حيث البضائع، لكنه يحمل آثاراً غير مباشرة من خلال تعقيد العلاقات التجارية والمالية، خصوصاً إذا ما تضررت الشركات الأمريكية العاملة أو الشريكة في مشاريع داخل العراق.
هل يرد العراق بإجراءات مضادة؟
في الوقت الذي اختارت فيه دول كبرى مثل الصين الرد على الولايات المتحدة عبر إدراج شركات أمريكية على “قائمة الكيانات غير الموثوقة”، يبقى السؤال مطروحاً: هل يملك العراق القدرة – أو الجرأة – على اتخاذ إجراءات مماثلة؟
وبهذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي نبيل الجميلي: ان“العراق لا يمتلك أدوات مواجهة اقتصادية حقيقية في هذه المرحلة، فهو ليس في موقع يمكنه من الدخول في صدام تجاري مباشر مع واشنطن، لكن يمكن أن يلجأ إلى خطوات تحفظية مثل تنويع مصادر الاستيراد أو تعزيز التعاون مع الصين وروسيا كخيار استراتيجي بعيد المدى.”
نفط البصرة في مرمى التأثيرات الجانبية
التعرفة الأمريكية لا تستهدف العراق مباشرة، لكن تداعياتها العالمية – خصوصاً ما يتعلق بردود الصين – قد تضغط على سوق النفط.
ففي حال قامت الصين، وهي من أكبر مستوردي النفط العراقي، بتقليص وارداتها أو تنويع مصادرها كرد على واشنطن، فإن ذلك قد يؤثر على أسعار خام البصرة ويقلص الطلب عليه، مما ينعكس سلباً على الإيرادات العراقية.
سيناريوهات قادمة: الحذر أم الانخراط؟
بين الحذر والانخراط، يبدو أن العراق سيميل إلى خيار “الدبلوماسية الاقتصادية”، دون الانخراط في مواجهات مباشرة. لكن استمرار التوترات التجارية العالمية قد يدفع بغداد إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الاقتصادية، خصوصاً ما يتعلق بتنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على النفط.
هذه التعرفة الأمريكية الجديدة وإن لم تستهدف العراق مباشرة، إلا أنها تضغط على بيئة الاقتصاد العالمي بشكل قد يضر بمصالح العراق الريعية.
وفي غياب سياسة اقتصادية فاعلة ومتماسكة، فإن العراق قد يجد نفسه عالقاً بين تقلبات الأسواق وصراعات الكبار دون قدرة واضحة على التأثير أو المقاومة
العراق بحاجة إلى استقلال اقتصادي تدريجي
ويقول البروفيسور جيمس باترسون، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة كولومبيا، ان “الاقتصاد العراقي هو من بين أكثر الاقتصادات هشاشة في منطقة الشرق الأوسط بسبب اعتماده شبه الكامل على العائدات النفطية، لذا فإن أي اضطراب في أسواق الطاقة أو تصعيد تجاري بين القوى الكبرى سيترك آثاراً مباشرة على العراق.
إذا لم يتحرك العراق نحو تنويع مصادر دخله، فسيبقى رهينة للمتغيرات الخارجية.”
باترسون أشار أيضاً إلى أن العراق بإمكانه لعب دور “الوسيط الاقتصادي” بين واشنطن وبكين، بدلاً من التورط في الاستقطاب، مستفيداً من علاقاته الواسعة مع الطرفين
مقارنة مع دول الخليج: الفارق في الاستراتيجية
على عكس العراق، بدأت دول خليجية في تطبيق خطط اقتصادية بعيدة المدى مثل “رؤية 2030” التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. هذه الدول تعاملت مع التعريفات الأمريكية من منطلق القوة الاقتصادية النسبية والقدرة على المناورة، دون أن تُظهر انحيازاً حاداً لأي من الأطراف.
في هذا السياق، يقول المحلل الاقتصادي الخليجي سالم المريخي:
“العراق يملك الموارد، لكن تنقصه الإرادة السياسية والخطط الاقتصادية الواضحة. بينما دول الخليج استثمرت في البنية التحتية، السياحة، الطاقة المتجددة، وحتى الذكاء الاصطناعي، لا يزال العراق يدور في حلقة مفرغة من الاعتماد على النفط، مما يجعله أكثر تأثراً بأي أزمة خارجية.
فرصة لإعادة التموضع؟
ربما تُشكل هذه الأزمة فرصة للعراق لإعادة التفكير في اقتصاده الريعي والبدء بخطوات إصلاحية جدية ، فالظروف الدولية تفرض على الدول أن تمتلك أدوات مرنة للتعامل مع الأزمات، والعراق لا يمكنه الاستمرار في موقع المتفرج.م333