[ في محضر الذكرى ] 

كنوز ميديا _ حسن عطوان         

                            ( 1 )

🖋 ماهو السر الذي جعل من الصدر قائداً لو لم نعايش قصته لعددناها من أساطير التضحية والإيثار ؟؟

وماهو مغزى ذلك الوهج الذي سيطر فيه على العقول قبل القلوب ؟؟

الجواب ببساطة ..

هو إخلاصه وصفاء نيته وسلامة سريرته ، فضلاً عما هو من المسلّمات من أصالته الفكرية وعبقريته الفذة ..

لقد كان الصدر مخلصاً في كل ماطرحه ،

وفي كل ماكتبه ، وفي كل مانادى به .

– لقد كتب الصدر في الفقه فرفعه عن مجرد التباري اللفظي وأنزله خبزاً يومياً للناس .

– وكتب في التفسير الموضوعي فلم يكن التفسير موضوعياً حقاً قبل باقر الصدر .

– كتب في الإقتصاد ليُثبت أنَّ الإسلام ليس ديناً للآخرة فحسب بل هو دين لدنيا الناس ايضاً .

– وكتب في الفلسفة فتجاوزت الفلسفة على يديه محنتها وتحولت من مجموعة من الكلمات ( المُطَلسَمة ) و ( المُلَغَّزة ) الى فكرة تقاتل على ارض الواقع .

– كتب في الدستور الإسلامي فاعتُبِر ( أبو الدستور الايراني ) ..

بينما لم يستفد الدستور العراقي من أفكاره شيئاً في مفارقة موجعة !

– لقد رفض الصدر كل لقب وقد صدرت كل كتبه في طبعتها الاولى وليس على غلافها إلّا إسمه ( محمد باقر الصدر ) مجرداً من كل لقب أو عنوان .

– لم يردّ الصدر على مَن شتمه ولم يشغله نزاع جانبي ؛ لأنَّ الصدر لم يكن إنساناً سجالياً بل كان إنسان بناء .

– لقد حذف الصدر ( الأنا ) من قاموسه ، وحتى عندما استعمل ضمير المتكلمين في عناوين كتبه ، ( فلسفتنا ) و ( اقتصادنا ) لم يستعملها كما يستعملها آخرون لتكريس الذات ،

 بل ال ( أنا ) عند باقر الصدر لاتقبل إلّا أنْ تمثل الإسلام بكل عناوينه .

– لم تجد ( الأنانية ) لها مكاناً في تفكير الصدر وقلبه ؛ لأنّه أراد أنْ يزرع فكرة ،

ومْنْ يريد أنْ يزرع فكرة عليه أنْ يعمل لتحطيم الأصنام التي يُراد لها أنْ تقف في طريق تلك الفكرة !

– ليس الصدر مجرد وقفة ذكرى ..

بل وليس مجرد دمعة حزن نذرفها وينتهي كل شيء ..

– الصدر كلمة وموقف .

ولزاماً علينا أنْ نقرأه ضمن الكلمة التي صدحت بفكر الإسلام ..

ونستقرأه في إطار موقفه الذي جسَّد قدرة الإسلام على صناعة أفراد يجيدون ( صناعة الموت ) من أجل الكلمة المبدأ التي بها تكون الحياة حياة .

                              ( 2 )

🖋 كان له ( رحمه الله ) تعبير يُكْثر من ترديده : ( منذ وعيت وجودي ) .

وفي هذا التعبير درس لنا ..

إنّنا يفترض أنْ نعي وجودنا في الحياة ،

فهذه الحياة صُممت بمشيئة الله الذي أراد أنْ يكون الإنسان فيها مختاراً ..

صُممت أنَّ فيها صراعاً ..

بين الخير والشر ..

بين الحق والباطل ..

بين الاريحية والدناءة .

هذا الصراع لا يمكن أنْ يتعايش فيه مَن هو مثل الحسين بن علي ( عليه افضل الصلاة والسلام ) مع مَن هو مثل يزيد بن معاوية ( لعنة الله عليه ) ..

مَن هو مثل باقر الصدر مع مَن هو مثل صدام .

والدنيا في تداول وصراع مستمر ..

 لا يتعايش فيها الإيمان مع الطغيان ..

ولا يمكن أنْ يساير فيها المؤمن الطاغية ،

فحتى لو كانت الظروف تستدعي أحياناً السكوت ، لكنّه سكوت مؤقت وليس مساومة على طول الخط .

في حياة العظماء ..

ومنهم باقر الصدر درس ، مفاده :

أنَّ لا مساومة مع الطغيان والجبروت ..

 ولا مهادنة بين الخير والشر .

قد تهدأ المعركة أحياناً بحسب الظروف ..

قد تتغير التفاصيل والآليات والوسائل ..

لكن في النتيجة يفترض دائماً أنْ نكون على إستعداد لصراع مرير ..

لأنّك إنْ لم تكن مستعداً فإنَّ الآخر هو الذي يريد أنْ يستأصلك ويقصيك من الساحة ..

فإن لم تواجه فأنت مُقْصَى ..

وإنْ واجهته ستوفق للإنتصار لأنّ الله سبحانه معك ..

 فإنْ لم توفق – لاسمح الله – لظروف خارجة عن إرادتك ..

وخسرت المعركة فهي ليست نهاية المطاف .

فأنت لبنة من لبنات هذا الصراع ..

أنت جزء من مسيرة ..

مسيرة التوحيد على طول التاريخ ..

خسارة المعركة الآنية لا تعني شيئاً ، إذ المهم هو الحرب الحضارية على طول مسيرة الموحدين .

وخسارة موحد مؤمن – أو حتى جيل من الموحدين – لمعركة لا تعني خسارة الحرب .

فأصحاب المباديء الحقّة قد يخسرون المعركة في الميدان ولكنهم مع ذلك لايُعَدّون منهزمين في مقاييس التفكير الحضاري ..

لأنّك قد تخسر المعركة الميدانية ،

ولكنك لا تعدّ خاسراً مادمت لم تخسر المبادئ التي قاتلت لأجلها .

 السيد محمد باقر الصدر كان يعلم بحسب طبيعة الظروف أنّه سوف يخسر حياته ..

وستُظلم عائلته ..

وستكون بعده أنباءٌ وهنبثة !!

ولم يكن ذلك ليمنعه من التضحية الجسيمة ..

المهم أنَّ حلم الأنبياء بدولة كريمة يتحقق ..

المؤسف والخسارة الأهم هو تنازلنا اليوم عن هذا الحلم ..

هذا التنازل هو الخسارة الأهم من بين كل القرابين التي ضاعت هباء ..

كل القرابين التي قدّمناها كانت لأجل إقامة دولة العدل ..

ونحن إذ نتنازل اليوم عن ذلك ونتناساه ولانشيع الأمل به حتى على مستوى التذكير والتثقيف ..

فتلك هي الخسارة الأعظم .

 باقر الصدر في علييّن..

إنّما نحن في مفترق طرق ..

وفي مخاض صعب ..

وإختبار أصعب بين أنْ نكون أو لا نكون !

                               ( 3 )

🖋 ثم زينب عصرها ..

تلك العلَوية التي قرأت ببصيرة عالية وبإيمان راسخ حركة أخيها ..

قَرَأَتْها على أنّها إمتداد لنهضة الإمام الحسين ..

ولأجل ذلك أقتدت بأخت أخيها ..

بنت أمير المؤمنين ..

وكما الأولى تعاملت مع أخيها على أنّه الأمام المعصوم ..

تعاملت الثانية مع أخيها على أنّه مرجعها وقائدها ..

كانت كأخيها ..

اتخذا قرار التضحية لهزّ ضمير الأمة الذي أخرسه الخوف وأخافه الرعب الذي نشره الطاغية ..

فخرجت الى الشارع وهي تصرخ الظليمة الظليمة .. لقد أعتقلوا مرجعكم !

ومع أنّها كانت وحيدة ..

ومع أنَّ أنصار صوت الحق والتضحية كانوا قلة قليلة ..

لكن صوتها – مع قلة الناصر – أرعب النظام فأطلق سراح السيد ..

ليُعتقل مرة أخرى ..

وهذه المرة معه العلوية الطاهرة ؛ ليُسكَت صوتها الى الأبد ..

لكن رنّته لم تزل تملأ الأفاق ..

ألا من ناصر ؟!!

عظم الله أجوركم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى