سقوط صدام التكريتي… وانبلاج الفجر الشيعي
بقلم _علي جاسب الموسوي
في التاسع من نيسان، تكسرت أصنام البعث كما تكسرت اصنام قريش ، وتهشم تاج الطاغية، وسقط تمثال الاستبداد الذي جثا على صدر العراق لعقود .. لم يكن صدام حسين إلا فرعونًا معاصرًا، صنعته غرف الظلام الغربية، ومولته عواصمُ القرار الأميركي، ووظفته الصهيونية كأداة دموية لتشويه الإسلام، وتمزيق العراق، وقتل أهله.
لقد حكم ابن العوجة البلاد بعقلية أمنية شيطانية، جعلت من كل صوت معارض خيانة، ومن كل انتماء طائفي أو قومي غير بعثي جريمة .. فعانى الشيعة في الوسط والجنوب من المقابر الجماعية، وتجفيف الأهوار، وحصار المدن، وهتك الحسينيات، وتغييب العلماء، حتى صار الموت عندهم عادة يومية .. أما الكرد، فطالتهم المجازر بالسلاح الكيمياوي، والأنفال، والتشريد الجماعي، وانتهاك النساء وقتل الأطفال.
لكن الأخطر من كل ذلك، أن هذا النظام لم يكن عراقيًا في قراره، بل غربي في تكوينه … وليس أدلّ من اعتراف طارق عزيز عندما قال: (جئنا على قطار أنكلو-أميركي، وجئنا لنحكم ونبقى لا لنرحل)نعم، لقد كان صدام دمية في يد الاستكبار، يخدمه حين يُطلب منه، ويتمرد حين تُغويه السلطة، ثم يُسقطه حين ينتهي دوره.
وفي هذا اليوم التاريخي، لا يسعنا إلا أن نذكر باعتزاز وشرف دور الشهيد الدكتور أحمد الجلبي رحمه الله، الذي قاد معركة كشف جرائم البعث، وفضح منظومته، وربط الداخل بالخارج لتفكيك الطاغوت من جذوره .. واسس اجتثاث البعث .. وجمع البيت الشيعي .. كان رجل مشروع، لا تاجر لحظة..
ولأننا بلغنا هذا اليوم بعد قرون من القهر، يجب على الشيعة في العراق أن يتمسّكوا بثبات لا يلين بقواعد الدولة، وأعمدتها، ومؤسساتها .. لا يجوز وغير مسموح التفريط بهذا المكسب التاريخي الذي طالما انتظرته هذا الشعب المؤمن منذ الدولة الأموية وحتى حقبة البعث الثانية .. نعم، وقد تخذلنا الأحزاب، وقد يعم الفساد، ولكن جوهر الأمر أنّ الدولة بيد الشيعة، وهذا لا يُفرّط فيه ولا يُفاوض عليه .. علينا أن نحفظها، لا أن نهدمها بيدنا .. أن نُصلحها من الداخل لا أن نسلمها ثانيةً للخصم التاريخي.
نيسان ليس فقط سقوط طاغية، بل فرحة قرون .. وشهادة على أن الظلم، مهما طال، لا يصمد أمام دمعة أم، أو صرخة مقبرة جماعية.