مشروع أدلَبة الموصل : كيف تعيد تركيا رسم حدود نفوذها داخل العراق؟
بقلم _ الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الاركوازي
تتحرك تركيا اليوم داخل الأراضي العراقية وفق مشروع يبدو أنه يتجاوز الاعتبارات الأمنية حسب أدعائها إلى هندسة جديدة للنفوذ شبيهة بما فعلته في إدلب السورية وصولاً الى الشام ودمشق ، حيث فرضت واقعاً ميدانياً تحت غطاء أمني وإنساني ، وأنتهت بإنشاء كيان محلي يخضع عملياً للقرار التركي .
وفي شمال العراق ، تتكرر ذات الأدوات لكن بصيغ عراقية : عناصر محلية ، وساسه ، واجهات عشائرية ، وغطاء سياسي وأستخباراتي، وسط صمت حكومي مقلق .
أولاً / أختراقات داخل الحشد : تدريب وتجنيد وتوجيه .؟
كشف الشيخ قيس الخزعلي ، الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قبل أيام عن معلومات أستخبارية خطيرة تفيد بقيام الاستخبارات التركية بتدريب عناصر موالية لها داخل الأراضي التركية ، ومن ثم سيتم إدخالهم إلى العراق وزرعهم داخل صفوف الحشد ، تحديداً :
1• اللواء 59 (حرس نينوى) في الموصل .؟
2• قوات درع كركوك .؟
أنقره وأجهزتها الأمنية تبذخ عليهم من أجل جعلهم عبيد عندها طائعين لتنفيذ الأجندة التركية من خلال تسريب معلومات حساسة عن تحركات فصائل المقاومة ، ما يُمهّد لأستهدافات دقيقة بطائرات مسيّرة أو عمليات نوعية خاصة ، تهدد الأمن الوطني وتخترق سيادة البلاد .
ثانياً / ذاكرة مُسيّسة : أتفاقية أنقرة و”الميثاق الملي” .؟
تستند تركيا في تبرير تدخلها إلى اتفاقية أنقرة الموقعة عام 1926 ، والتي أنهت النزاع على ولاية الموصل ، وقررت تبعيتها للعراق مقابل حصة نفطية لتركيا أستمرت على مدار 25 عام .؟
رغم أنتهاء هذه الاتفاقية قانونياً عام 1951 ، إلا أن أنقرة تستحضرها اليوم كمرتكز سياسي وأمني يبرر تدخلها ، إلى جانب تمسّكها بما يُعرف بـ”الميثاق الملي”، الذي يعتبر الموصل وكركوك أراضٍ أقتُطعت من “الوطن التركي” ظلماً ، هذا الاستدعاء الانتقائي للتاريخ يمثل ركيزة أيديولوجية لمشروع توسعي يتجاوز حدود الدفاع عن الأمن القومي ، إلى إعادة تعريف حدود النفوذ العثماني القديم بوسائل معاصرة .
ثالثاً / من “إدلب السورية” إلى “نينوى العراقية” .؟
النموذج التركي في إدلب ، القائم على خلق واجهات محلية وتوفير دعم مالي وعسكري لها ، يبدو قابلاً للتكرار في العراق لا سيما مع وجود قوى محلية مستعدة للتعاون أو غضّ النظر ، مقابل مكاسب مادية أو سياسية ، لكن الفرق أن البيئة العراقية الأكثر تعقيداً ، مما قد يُنتج نموذجاً هجينا : ليس أحتلالاً مباشراً ولا شراكة رسمية بل تمكين تدريجي لوكلاء محليين يمثلون مصالح أنقرة ، ويعيدون رسم خرائط السيطرة تحت مسمى الحشد أو الأمن المحلي .
رابعاً / الاتفاقيات الثنائية : من التاريخ إلى الحاضر .؟
إلى جانب أتفاقية أنقرة ، وقّع العراق وتركيا عقود لعدداً من الاتفاقيات الأمنية والاستراتيجية وأبرزها :
1• أتفاقية 1983 : سمحت لتركيا بشن عمليات محدودة ضد حزب العمال الكردستاني داخل العراق ولمسافه محدوده لا تتحاوز ال 20-25 كم .
2• أتفاقيات 1995 و 2008 : وسّعت تركيا تدخلها الاستخباراتي والعسكري في شمال العراق بذريعة تعقب ال pkk الكردية المعارضة .
3• أتفاقيات حكومة السوداني (2024) :
أ. تفاق الإطار الاستراتيجي : لتعزيز التعاون في الأمن والطاقة .
ب. أتفاق حول المياه : يستمر لعشر سنوات ، لضمان الحصص المائية .
ج. مذكرة مشروع طريق التنمية : مع قطر والإمارات وتركيا ، لتحفيز التعاون الاقتصادي .
ورغم هذا الزخم في التفاهمات ، تُوظّف تركيا معظم هذه الاتفاقيات وفق مصالحها ، دون التزام متوازن يحترم السيادة العراقية ، مما يثير تساؤلات حول جدوى هذه التفاهمات عملياً .؟
خامساً / ضعف الرد العراقي : فراغ سيادي وغياب الردع .؟
يُقابل هذا التمدد التركي غياب موقف عراقي رسمي موحّد ، وتباين في أولويات القوى السياسية ، وركون الحكومة إلى بيانات الشجب أو التهدئة ، مما يمنح أنقرة مزيداً من الوقت لتثبيت واقع جديد على الأرض .؟
لكن مع هشاشة المؤسسة الأمنية في بعض المناطق ، ووجود عناصر محلية تخدم المصالح التركية ، يتحول الخطر من خارجي إلى داخلي ، حيث يُعاد تشكيل القوى بأيدٍ عراقية تخدم أجندة غير وطنية .
أخيراً وليس أخراً ما يحدث في شمال العراق وفي الموصل وكركوك ليس مجرد تحركات أستخباراتية أو أستهدافات محدودة كما يدعي الأتراك ، بل مخطط طويل الأمد لإعادة هندسة الواقع السياسي والأمني في الشمال العراقي ، عبر أدوات ناعمة تلبس لباس السياسي أو العشيرة أو الحشد أو المساعدات ، وفي حال غياب موقف وطني حازم ، فإن العراق قد يجد نفسه أمام نموذج “إدلب جديدة” على أراضيه ، لكن هذه المرة بأدوات تمويليّة وأستخباراتيّة أكثر حرفية ، وبتواطؤ داخلي لا يقل خطورة عن التغلغل الخارجي …!