الإسلام التقدمي والوطنية الهجينة

بقلم _ د.أمل الأسدي

منذ بزوغ نور الإسلام وحتی هذه اللحظة لم تكف الماكنة الشيطانية عن محاربة دين محمد بن عبد الله الإنساني العالمي، فقوام فكر هذه الماكنة يعتمد علی التسلط والاستحواذ والسيطرة علی الموارد الطبيعية وتقاسمها، لهذا تجد هذا الخط يبتدع بين الحين والآخر بدعا جديدة، ويختلق مصطلحات جديدة ليزجها في عالمنا الإسلامي المبتلی بغياب الاجتماع ووحدة الكلمة، وتغييب المركزية التي تقوده منذ لحظة رحيل رسول الله (صلی الله عليه وآله) حتی الآن!!

وعلی الرغم من ارتفاع خط التدرج الحضاري للدول الإسلامية لقرون عديدة، إلا أنه لم يؤثر علی جوهر الشخصية العربية والإسلامية عموما، فبالمجمل بقيت الذات العربية مهزومة، تعاني من القزمية بإزاء الآخر الغربي، علی الرغم من أنه قبع تحت التخلف والانحرافات العقدية والسلوكية لقرون عديدة!! وعلی الرغم من أنه لايمتلك ما يمتلكه المسلم من دستور واقعي ينظم حياته، ويوازن بين المادة والروح.

وبما أن القضية، قضية سلطة واستحواذ وموارد؛ أبدعت المؤسسات الغربية والعقل الغربي في وسائل ضرب الإسلام من داخله، تارة بالتنظميات المنــحرفة الدمـــوية، وتارة بتسليط الحكام الظالمين الفاســدين علی البلدان الغنية، وتارة أخری بتجنيد الأقلام المأجورة التي تعبث بالوعي وتحرفه وتزيفه، ومن مصاديق هذا العبث والتلاعب، زج المصطلحات التي تضعف الإسلام وتفرغه من جوهره، فبدل أن يكون كما قال الله تعالی: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ))(١) أو يكون كما قال تعالی:((إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)((٢)

أو قوله تعالی:((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ))(٣)

بدل ذلك راحوا يقطّعون أوصال الهوية الإسلامية، ويلهثون وراء النظريات الغربية، ويتلقفون كل ما تطرحه مؤسساتهم، محاولين تزييف الحقائق والوقائع، فالإسلام دين الرحمة ودين الإنسانية، ودين احترام الآخر، والتخلص من التطبيقات المشوهة يكون عن طريق العودة الی جوهره، والعودة الی نقطته المركزية(القرآن والعترة)، ولايكون التجديد والإصلاح عبر تبني النظريات الغربية، التي تريد زعزعة الثوابت الإسلامية وتحويلها إلی متغيرات، حالها حال أي نص يبتدعه مؤلف ما(٤)!! فقد مرت النظريات الغربية بموت المؤلف وتغريب النصوص، ثم أماتت النص وقراءته وفق القرائن والسياقات، وتركت الأمر مفتوحا للقراءات والتأويلات والأهواء!!

وهم الآن يريدون أن يطبقوا ذلك علی القرآن الكريم، يريدون تحويله من ثابت إسلامي إلی متغير سياسي سلطوي!!

ويريدون علی وفق ذلك صياغة هوية وطنية هجينة، تؤمن بهذا الطرح، فمن جهة يرون الإسلام ونصوصه قديمة منعكفة، منطوية علی ذاتها، لاتواكب التطور التكنولوجي المهول الذي يشهده العالم، وقد تسببت بفجوة بين الفرد كمواطن والدولة التي يعيش فيها، ومن جهة أخری يغضون النظر عن الدول الإسلامية الناجحة، المتقدمة، وبدل أن يطرحوا فكرة الاستفادة من هذه الدول أو الاعتماد عليها كمصدر قوةٍ أذهل العالم، وركّع الغرب؛ ذهبوا نحو خلق هويةٍ وطنية هجينة، تتوسل بالغرب، كي يستثمر مواردها ويستغلها، ويتقدم أكثر، مقابل التنازل عن جوهر الإسلام وقيمه وثوابته، مع الظن بدعم الغرب لهم من أجل البقاء في السلطة!!

 

فأي تقدم يريدون لنا؟ ومتی تبصر الشعوب أن الغرب والصــهايــنة أفعی طامعة لاتشبع ولاترتوي؟

ومتی يكف هولاء عن العمالة الأنيقة؟

إن خلاصنا يكون بامتلاكنا الإرادة والقدرة علی التحكم بمواردنا وأموالنا، خلاصنا يكون في عدم تنصيب الفاسدين السارقين لأموال الشعوب المحرومة، فقد قال تعالی:((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ))(٥)

لكنهم يصرون علی نكران ما جاءهم، ويصرون علی الاستحواذ علی كل شيء!! ويصرون علی محاربة الرسول الأعظم(صلی الله عليه وآله)

وقد قالت السيدة الزهراء(عليها السلام) مبكرا: (فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة،وحبنا عزاً للإسلام …))(٦) فكلما تشرذمنا وابتعدنا عن المركز؛ تفنن الصــــهاينة في تحجيم ذواتنا واستغلالها وجعلها ناطقة عنهم مدافعة عن أطماعهم المعلنة والخفية.(٧)

 

🔻 ملحوظة:

الإسلام التقدمي: مصطلع طرحه الأمريكي”Alexander R Arifianto” ويقصد به: إعادة قراءة التراث الإسلامي بكله، قراءة جديدة تخلصه من الصراع بين الأصالة والحداثة، أو لتجعله يواكب التطور الهائل الذي يشهده العالم، والتخلص من القراءات القديمة التي أدت الی زيادة العنف والتطرف.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى