سؤالان 1-لماذا قبلت أمريكا التفاوض مع “محور الشر”؟ 2-لماذا قبلت إيران التفاوض مع “الشيطان الأكبر”؟
بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي
الجواب:
1-لماذا قبلت أمريكا التفاوض مع “محور الشر”؟
لأنها لم تعد قادرة على تجاهلهم.
أمريكا، التي كانت تتحدث بعجرفة عن “محور الشر”، وجدت نفسها مضطرة للجلوس مع هذا المحور على طاولة واحدة، بعد أن فشلت كل أدواتها في فرض إرادتها. الحصار، العقوبات، الحروب، الإعلام، وحتى الاغتيالات… لم تُسقط إيران، لم تُركّع كوريا الشمالية، ولم تُخضع الشعوب.
أمريكا لم “تتنازل” بدافع أخلاقي، بل لأنها فشلت.
إيران صمدت رغم كل شيء، وها هي اليوم تقود محورًا كاملًا يمتد من الخليج إلى المتوسط. لم تُسقطها العقوبات، بل زادتها عزيمة على تطوير ذاتها في مجالات النووي، والصناعات العسكرية، والتكنولوجيا.
كوريا الشمالية تحدّت أمريكا علنًا، وأصبحت تملك سلاحًا نوويًا، وأمريكا لم تجرؤ على مهاجمتها.
أمريكا تراجعت لأن هيبتها انهارت: هزيمة في العراق، انسحاب مذلّ من أفغانستان، ارتباك في أوكرانيا، تراجع اقتصادي، انقسام داخلي… كل هذا جعلها تدرك أن لغة التهديد لم تعد تفيد، وأنها إن لم تفاوض، فستخسر أكثر.
التفاوض كان اعترافًا بالقوة لا منّةً من واشنطن: أمريكا اضطرت للاعتراف بأن هذه الدول أصبحت رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه، وأن سياساتها فشلت في تغيير الأنظمة أو إسقاطها. فاختارت التفاوض كآخر محاولة لحفظ ماء الوجه.
الخطاب تغير لأن موازين القوة تغيرت. لم تعد أمريكا وحدها في الساحة، فهناك قوى ناهضة كالصين وروسيا، وهناك مقاومة صلبة بقيادة إيران تفرض واقعًا جديدًا في المنطقة، لا تقبل الإملاءات ولا تعيش على المساعدات.
الخلاصة:
أمريكا لم “تتنازل” عن خطاب “محور الشر” من باب العقلانية، بل من باب العجز. والمفارقة أن من كانت تسميهم محور الشر، هم من أجبروها على التفاوض بشروطهم… فهل هذا انتصار لأمريكا؟ أم اعتراف بالهزيمة؟
2-لماذا قبلت إيران التفاوض مع “الشيطان الأكبر”؟
الحقيقة أن السؤال فيه افتراض مقلوب: إيران لم “تتنازل”، بل فرضت نفسها لاعبًا لا يمكن تجاهله. هي لم تذهب إلى التفاوض من موقع ضعف، بل من موقع من صمد في وجه الحصار والعقوبات والحروب بالوكالة لعقود، واستمر في دعم حلفائه من اليمن إلى لبنان، بينما كانت أمريكا تتخبط في أفغانستان والعراق وتنزف هيبتها.
أمريكا هي من احتاجت التفاوض، لا العكس.
إيران أجبرت أمريكا على الجلوس معها بعدما فشلت كل أدواتها في كسر إرادة طهران. لا العقوبات، ولا الاغتيالات، ولا الحصار الاقتصادي، ولا التحريض الإقليمي… كل ذلك لم يسقط النظام، بل زاده صلابة.
إيران صنعت منظومة مقاومة إقليمية أربكت المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. من غزة إلى الجنوب اللبناني، من سوريا إلى العراق، أصبح لأمريكا ألف حساب قبل أن تتحرك، لأن “الشيطان الأكبر” يواجه اليوم محورًا موحدًا بعمق عقائدي واستراتيجي.
البرنامج النووي الإيراني لم يتوقف، بل تطور حتى بات قريبًا جدًا من العتبة النووية، وأثبت أن إيران وصلت إلى مرحلة لا يمكن فيها تهديدها إلا بالاعتراف بها قوة كبرى.
التفاوض بالنسبة لإيران ليس تنازلًا، بل إملاء شروط: ما يجري خلف الكواليس ليس خنوعًا، بل فرض وقائع. كل اتفاق تسعى له واشنطن اليوم هو لتجميد التقدم النووي، مقابل رفع تدريجي للعقوبات. أي أن إيران تفاوض من موقع المنتصر في الميدان، لا الضعيف على الطاولة.
أمريكا هي من تتراجع: خرجت من أفغانستان بهزيمة مذلّة، تغرق في أزمات داخلية عرقية وسياسية واقتصادية، وتعاني من تآكل مكانتها الدولية في ظل صعود الصين وتحدي روسيا… منطق القوة الغاشمة لم يعد يفيدها كما كان.
الخلاصة:
إيران تفاوض “الشيطان الأكبر” لا لأنها تخشاه، بل لأنها تجاوزته. وأمريكا تفاوض إيران لأنها عاجزة عن كسرها، وتدرك أن تجاهلها يعني مزيدًا من الانحدار لنفوذها في الشرق الأوسط.