الشعب يدفع الثمن باهظاً بين وعود السياسيين ومرارة الحياة اليومية ؟

بقلم _  الخبير بالشأن السياسي والأمني 

طه حسن الأركوازي

 

في كل دولة تتحمل الشعوب جزءاً كبيراً من نتائج السياسات التي تُرسم خلف الأبواب المغلقة ، حيثُ تظهر هذه السياسات أحيانًا كلوحة جميلة ، مليئة بالوعود والشعارات التي تُسحر النفوس الطيبة التي عانت من الظلم والقمع على مدار سنوات طويلة ومع ذلك ، فإن الواقع غالباً ما يكون مختلفاً عن الصورة التي تُقدم .

العراق الذي أكتوى بنيران الحروب والصراعات لعقود ، يجد المواطن نفسه في خضم معادلة صعبة ، وعود سياسية براقة غالباً ما تتبخر أمام قسوة الواقع اليومي ، فكثيراً ما تُطلق النخب السياسية خطابات معسولة عن “بناء الدولة” و”تحقيق الرفاهية”، لكن المواطن العراقي يلمس على أرض الواقع نتائج مغايرة تماماً ، حيث يدفع ثمن سياسات تُصاغ في الغرف المغلقة دون مشاركة حقيقية منه أو أنعكاس لتطلعاته الحقيقية .

 

أولاً / وعود الإصلاح الاقتصادي وأزمة المعيشة :

 

لطالما رفعت شعارات الإصلاح الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل في العراق ، خاصة بعد الاعتماد شبه الكلي على السياسة الريعية للنفط وتقلبات أسعاره ، لكن على أرض الواقع ، يواجه الشباب العراقي شبح البطالة المتفاقم ، وتشهد الأسواق إرتفاعاً مستمراً في الأسعار ، وتتآكل القدرة الشرائية للمواطنين ، فبدلاً من أن يلمس المواطن تحسناً في مستوى معيشته نتيجة “الإصلاحات”، يجد نفسه مُثقلًا بأعباء أقتصادية متزايدة ، ما يدفعه للهجرة أو البحث عن فرص عمل في الخارج .

 

ثانياً / الديمقراطية المتعثرة وتغول الفساد :

 

بعد عقود من الحكم الديكتاتوري أستبشر العراقيون خيراً بنظام ديمقراطي يضمن لهم حقوقهم ويحقق العدالة والمساواة ، لكن التجربة الديمقراطية في العراق شابها الكثير من النواقص ، بدءاً من المحاصصة الطائفية والحزبية التي قسمت مؤسسات الدولة ، وأضعفت هويتها الوطنية ، وصولًا إلى تفشي الفساد الذي أصبح كالوباء ينخر في مفاصل الدولة ، فبدلاً من أن تكون الديمقراطية أداة لتمكين الشعب ، تحولت في كثير من الأحيان إلى غطاء لتوزيع المغانم ، وتقاسم النفوذ بين الأحزاب المتنفذة ، بينما يظل المواطن العادي يعاني من نقص الخدمات الأساسية وتدهور البنية التحتية .

 

ثالثاً / الصراعات الإقليمية وتأثيرها على الاستقرار الداخلي :

 

العراق يجدُ نفسه في قلب منطقة مضطربة ، تتصارع فيها قوى إقليمية ودولية ، هذه الصراعات غالباً ما تلقي بظلالها على الوضع الداخلي العراقي ، وتؤجج الانقسامات وتزيد من حالة عدم الاستقرار ، فبدلاً من أن ينعم العراق بالسلام والأمان بعد سنوات من الحروب ، يجد نفسه ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية ، ويدفع شبابه ثمن هذه الصراعات من أرواحهم ومستقبلهم .

 

رابعاً / جهود خجولة وأمل معلق :

 

على الرغم من الصورة القاتمة التي قد تبدو عليها الأوضاع ، لا يمكن إنكار وجود محاولات جادة من حكومة ( السيد السوداني ) ، لإحداث تغيير إيجابي ، هناك أصوات تتعالى مطالبة بمحاربة الفساد ، وبناء دولة مؤسسات قوية ، وتحقيق العدالة الاجتماعية ، لكن هذه الجهود غالباً ما تصطدم بجدار المصالح الضيقة والنفوذ المتجذر للفاسدين .

رغم وطأة التحديات وتراكم خيبات الأمل يظل في قلب كل عراقي جذوة أمل لا تنطفئ أنه التوق الفطري نحو غدٍ أفضل ، نحو وطن ينعم بالاستقرار والازدهار والعدالة ، هذا التوق ليس مجرد أمنية عابرة ، بل هو قوة دافعة تدفع العراقيين نحو المطالبة بحقوقهم والمشاركة في رسم مستقبل بلادهم .

 

وختاماً ، إن تجاوز العراق لهذه المرحلة الدقيقة وبناء مستقبل يليق بتضحيات شعبه وتاريخه العريق ، يرتكز على دعائم أساسية :

1- قيادة وطنية مُخلصة تتحلى بالرؤية والحكمة والشجاعة الكافية لوضع مصلحة العراق فوق كُل أعتبار .

2- قيادة قادرة على صياغة أستراتيجيات واضحة المعالم وتنفيذها بشفافية ونزاهة .

3- الأهم من ذلك إرادة شعبية صلبة لا تلين في محاسبة الفاسدين والمطالبة بحقوق المواطنة الكاملة والمشاركة الفاعلة في صنع القرار ، عندها فقط ، سيشرق فجر عراق جديد على أرض الرافدين ، ويستعيد العراق عافيته ودوره الحضاري ليصبح بحق الوطن الذي يستحقه أبناؤه ، والواحة التي ينشدها كل محب لترابه …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى