استعدادات لهجوم بري على اليمن و تباين الموقف بين طموح الإمارات وتردد السعودية

كنوز ميديا – متابعة

 تدخل الحرب في اليمن مرحلة حساسة مع تزايد المؤشرات على اقتراب إطلاق عملية برية واسعة النطاق ضد مناطق تسيطر عليها حكومة صنعاء، وفي مقدمتها مدينة تعز وميناء الحديدة.

الميليشيات المدعومة من الإمارات، وعلى رأسها تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي، تبدو مستعدة للتحرك، بدعم جوي أمريكي وإشراف من عسكريين أمريكيين متقاعدين، لكن رغم كل ذلك، يقف عنصر أساسي في المشهد الإقليمي متردداً حيث إن السعودية تبدو مترددة.

في هذا السياق، تبرز أسئلة محورية حول أسباب التردد السعودي، وجدوى العملية البرية من دون موافقة الرياض، ومدى عقلانية محاولة استنساخ تجربة “هيئة تحرير الشام” في اليمن، إضافة إلى المخاطر التي قد تواجهها كل من الإمارات والسعودية نتيجة هذه المغامرة العسكرية.

تحركات على جبهة تعز والحديدة وسط تردد سعودي

حسب صحيفة وول ستريت جورنال، فإن المجموعات المدعومة إماراتياً تستعد لشن هجوم بري واسع النطاق على مدينة تعز وميناء الحديدة، بالتزامن مع ضربات جوية أمريكية تستهدف تحصينات قوات صنعاء.

اللافت أن هذه الاستعدادات تجري بمشورة مباشرة من ضباط أمريكيين متقاعدين يعملون إلى جانب قوات المجلس الانتقالي، في ما يشبه دور “الخبراء الميدانيين” في التخطيط والقيادة.

الصحيفة نفسها أشارت إلى أن السعودية لم توافق بعد على هذه الخطوة، بل أبدت تحفظاً عليها، فبينما تسعى الإمارات إلى تكريس نفوذها في جنوب اليمن والمناطق الساحلية، تتوجس الرياض من انزلاق الحرب إلى فوضى جديدة تُفقدها ما تبقى من أوراق ضغط في الملف اليمني.

السعودية.. تردد محفوف بالهواجس

موقف السعودية من التحركات العسكرية في اليمن يبدو معقدًا أكثر من أي وقت مضى، رغم كونها كانت راعية التحالف العسكري ضد جماعة أنصار الله منذ عام 2015، إلا أن التردد السعودي الحالي يعكس مجموعة من الهواجس الأمنية والسياسية التي تؤثر على قرارها في هذا السياق الحساس.

السعودية تخشى من تطور القدرات العسكرية اليمنية

أحد الأسباب الرئيسية لتردد الرياض هو التطور الكبير في القدرات العسكرية لليمن، ولا سيما فيما يتعلق بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، والتي أعلنت صنعاء مرارًا وتكرارًا أنها ستستخدمها في الرد على أي تحركات عسكرية من قبل السعودية أو الإمارات، صواريخ اليمن البالستية أصبحت أكثر دقة وقوة، ما يجعل أي هجوم على الأراضي اليمنية يُحتمل أن يُقابل بضربات قوية تصل إلى العمق السعودي والإماراتي.

رد فعل قوي على أي تصعيد

صنعاء قد أبدت استعدادًا مسبقًا في أكثر من مناسبة لتنفيذ ضربات مؤلمة على المدن السعودية والإماراتية، وهو ما يعزز مخاوف الرياض وأبوظبي من التصعيد غير المتوقع، السعودية تعلم أن أي خطوة هجومية قد تؤدي إلى استنزاف طويل الأمد، وخاصة إذا كانت الردود العسكرية من صنعاء مدمرة وقد تفتح الباب أمام حرب استنزاف إقليمية قد تطال أراضيهما.

من جانب آخر، يُضاف إلى تلك المخاوف القلق السعودي من أن دعم الإمارات للمجموعات المدعومة من المجلس الانتقالي في الجنوب قد يؤدي إلى تفكك الجبهة المناهضة لصنعاء، السعودية تدرك أن الإمارات تسعى إلى تعزيز نفوذها في المناطق الجنوبية، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام داخلي في صفوف المعارضين لصنعاء، ويخلق توترًا داخليًا يعقد الوضع الإقليمي.

التنسيق بين الإمارات والسعودية في هذا الملف ليس مستقرًا بما يكفي لتمرير خطوة هجومية واسعة النطاق، ما يزيد من القلق السعودي من تكرار سيناريوهات الفشل التي قد تُضاف إلى الوضع الميداني المعقد.

بناءً على هذه التحليلات، يمكن القول إن التردد السعودي ليس فقط ناتجًا عن الانقسام في التحالف، بل هو نتيجة مباشرة للهواجس الأمنية المتزايدة، والتي تشمل تطور القدرات العسكرية اليمنية والتهديدات المباشرة للسعودية والإمارات.

مغامرة إماراتية أم استنساخ خطير؟

تشير مصادر مطلعة إلى أن هناك تحركات إماراتية تستهدف استنساخ تجربة “هيئة تحرير الشام” السورية، التي نجحت في التوسع والسيطرة على سوريا بفضل الدعم التركي والأمريكي، وفقًا لهذه المصادر، فإن الإمارات، بدعم من مستشارين أمريكيين، تحاول بناء كيان عسكري محلي قوي في جنوب اليمن، قادر على إدارة مناطق نفوذ خاصة بعيدًا عن الهيمنة السعودية.

لكن الفارق الكبير بين التجربتين السورية واليمنية يكمن في الطبيعة القَبَلية والمجتمعية المختلفة في اليمن، ما يضيف مستوى إضافيًا من التعقيد لهذا السيناريو، ففي حين أن “هيئة تحرير الشام” استطاعت أن تكون قوة فاعلة في المشهد السوري بفضل الدعم الإقليمي والدولي، فإن الواقع اليمني يختلف جذريًا من حيث التركيبة الاجتماعية، ما يضع هذا الاستنساخ في موضع محفوف بالمخاطر.

السعودية والإمارات، اللتان دعمتا تحالفًا واسعًا ضد جماعة أنصار الله منذ 2015، تدخلان اليوم في صراع خفي على النفوذ في اليمن، الإمارات، التي تسعى إلى تعزيز هيمنتها على الجنوب، تأمل في إنشاء قوى محلية تكون تحت سيطرتها التامة، بعيدًا عن النفوذ السعودي.

وفي هذا السياق، يبدو أن الإمارات تستخدم الميليشيات المحلية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي، كوسيلة لإنشاء تكتلات عسكرية في الجنوب، وهي محاولات لتكرار السيناريو السوري بيد أن ذلك في سياق سياسي وعسكري مختلف تمامًا.

إن استنساخ نموذج “هيئة تحرير الشام” في اليمن هو خطوة غامضة ومحفوفة بالمخاطر. الإمارات قد ترى في هذا الأمر فرصة لتحسين نفوذها في الجنوب اليمني، لكن التحديات الجغرافية والاجتماعية والسياسية تجعل من هذا المشروع مغامرة غير مضمونة العواقب، التردد السعودي من جانب، وكذلك التعقيدات القبلية في اليمن من جانب آخر، تجعل من غير المحتمل أن يُكتب لهذا السيناريو النجاح، في النهاية، قد يكون هذا التحرك الإماراتي بمثابة لعبة خطرة قد تحمل معها تبعات واسعة على الاستقرار الإقليمي.

على الرغم من محاولات الإمارات إنشاء نموذج مشابه لـ “هيئة تحرير الشام” في اليمن، إلا أن النجاح في هذا المشروع يتطلب تفكيرًا عميقًا في التداعيات المحتملة، يتعين على الإمارات وحلفائها الأمريكيين أن يأخذوا في الحسبان التركيبة الاجتماعية المعقدة والآثار الجيوسياسية الواسعة، حيث إن هذه المغامرة العسكرية قد تؤدي إلى أزمات أكثر تعقيدًا في اليمن ومنطقة الخليج.

العملية البرية.. هل يمكن أن تنجح دون السعودية؟

رغم الدعم الجوي الأمريكي والمشورة الميدانية التي يتلقاها المجلس الانتقالي، تبقى موافقة السعودية عنصرًا حاسمًا في نجاح أي عملية برية، فالسعودية هي الجهة التي تملك شبكات النفوذ الأعمق بين القبائل، والأكثر قدرة على تحريك خطوط الإمداد في الشمال والشرق، كما أن قواتها تسيطر فعليًا على أجزاء من الحدود الشمالية، ما يجعل مشاركتها أو على الأقل تنسيقها ضرورة لوجستية وعسكرية.

من دون رضا السعودية، ستبدو العملية الإماراتية مغامرة منفردة، قد تُفسَّر على أنها محاولة انقلاب على التوازنات الإقليمية داخل التحالف المناهض لأنصار الله، وربما تفتح باب تصدع سياسي بين الرياض وأبوظبي في الملف اليمني.

ما المخاطر؟.. تكلفة باهظة لأطراف المبادرة

تحمل هذه الخطوة مخاطر سياسية وأمنية كبيرة للأطراف المنخرطة فيها:

بالنسبة للإمارات، فإن نجاح العملية قد يمنح أبوظبي نفوذاً كبيراً على الساحل الغربي، لكن فشلها قد يكشف حدود قدراتها العسكرية خارج حدودها، وخاصة إذا ما واجهت قوات صنعاء الهجوم بردّ مزلزل، كما أن الفشل قد يعيد إحياء التوترات مع السعودية.

أما السعودية، فإن أي تفكك في الجبهة المعادية لصنعاء يعني فقدان الرياض أوراقها في المفاوضات المستقبلية، وخاصة إذا شعرت القوى اليمنية الجنوبية أن الإمارات تمثل الخيار الأكثر فاعلية.

في المقابل، الولايات المتحدة، رغم أن دورها لا يزال غير رسمي ومحصوراً بـ”المتقاعدين”، فإن أي فشل ميداني سيُحسب على واشنطن، وسيفتح باب التشكيك في استراتيجيتها الإقليمية، وخصوصاً مع اقتراب انتخابات 2024.

أما بالنسبة لأنصار الله، فقد تعهدت الحركة بالرد بأقصى ما لديها من قوة على أي هجوم بري، ما يفتح باب التصعيد الواسع، وربما يطال مناطق سعودية وإماراتية حيوية، ما يعني توسيع نطاق الحرب جغرافياً.

في الختام، هناك من يرى في هذه التحركات محاولة استباقية لتعديل ميزان القوى قبل أي تسوية سياسية قادمة، وهو منطق معتاد في الحروب الممتدة. غير أن المعضلة هنا تكمن في توقيت العملية، وغياب التوافق الإقليمي، وارتفاع سقف الردع الذي لوّحت به صنعاء.

بمعزل عن الرغبة الأمريكية في تحجيم قدرات صنعاء، أو الطموح الإماراتي بتعزيز الحضور البحري عبر السيطرة على الحديدة، فإن السياق اليمني مختلف تمامًا عن الحالة السورية، والعوامل القبلية والجغرافية والسياسية تجعل من أي مغامرة برية خطوة محفوفة بالمخاطر.

السعودية تبدو في موقف “الرافض الصامت”، والإمارات تغامر بتشكيل قوة ميدانية قد تخرج عن السيطرة، أما واشنطن، فتلعب بالنار من خلف الستار عبر متقاعدين يخططون لمعركة معقدة، وفي قلب كل ذلك، يقف اليمن، كأرض حرب مفتوحة، يخشى أبناؤه من أن تكون المعركة القادمة مجرد نسخة أخرى من كوارث الماضي، ولكن بحلة جديدة. ع666

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى