العراق وسوريا ، مفترق طرق بين الذاكرة والمصالح في التعامل مع الجولاني؟

بقلم / الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الأركوازي

يثور جدل وطني عراقي حول كيفية التعامل مع الحكومة السورية الحالية ، وتحديداً فيما يتعلق بدعوة محتملة للسيد الجولاني لحضور مؤتمر البرلمانات يتأرجح النقاش بين خيارين رئيسيين :
1- هل على العراق قطع العلاقات وتجنب دعوة شخصية تحمل إرثًا مؤلماً .؟
2- أم فتح صفحة جديدة تقوم على أساس التعامل وحسن الجوار .؟

من منظور وطني عراقي ، يحمل كلا الخيارين حججاً قوية ، ويتطلب التوصل إلى الخيار الأمثل موازنة دقيقة بين القيم والمصالح العراقية على المديين القصير والطويل .

أولاً / مقاطعة الجولاني : أنتصار للقيم والذاكرة الوطنية
من المنظور الأخلاقي والوطني ، حيثُ يظل اسم الجولاني مرتبطاً بأتهامات بأرتكاب جرائم بشعة بحق العراقيين خلال فترة نشاطه في تنظيم القاعدة في العراق ، لذا ، تمثل مقاطعته موقفاً مبدئياً حازماً ضد الإفلات من العقاب وتعبيرًا صادقاً عن التضامن العميق مع الضحايا وعائلاتهم .
إن هذا الموقف يحافظ على الذاكرة الوطنية من التشويه ويؤكد على رفض الشعب العراقي القاطع لأي شخص تلطخت يداه بدماء أبنائه .
علاوة على ذلك ، فإن الحفاظ على سيادة العراق يقتضي التعامل بحذر شديد مع شخصية أرتبطت تاريخياً بالإرهاب الذي استهدف البلاد ، فقد يُنظر إلى أي تعامل رسمي رفيع المستوى على أنه تقويض لتلك السيادة وتجاهل للتضحيات الجسام التي قدمها العراقيون في حربهم ضد الإرهاب .

إن تبني سياسة المقاطعة قد يحمل رسالة قوية وواضحة إلى الجماعات الإرهابية الأخرى مفادها أن العراق لن يتهاون أبداً مع من يرتكب جرائم بحقه ، وأن العدالة ستلاحقهم مهما طال الزمن .

ثانياً / فتح آفاق جديدة : براغماتية وحماية للمصالح ، على الجانب الآخر ، يفرض الواقع السياسي نفسه بقوة ، تحظى حكومة الجولاني بدعم إقليمي ودولي لا يمكن تجاهله ، بالتالي ، قد يفتح التعامل معها قنوات أتصال حيوية للعراق ، مما يساعد في حماية مصالحه الاستراتيجية في المنطقة ، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود المشتركة ومكافحة فلول التنظيمات الإرهابية التي لا تزال تشكل تهديداً على جانبي الحدود .

من الممكن وجود مصالح مشتركة تجمع العراق وحكومة الجولاني في بعض الملفات ، مثل تحقيق الاستقرار الإقليمي ومنع عودة التطرف بأشكاله المختلفة ، يمكن للحوار البناء أن يخدم هذه المصالح المشتركة ،
إن فتح آفاق لعلاقات مبنية على حسن الجوار والاحترام المتبادل قد يتيح للعراق فرصة للتأثير بشكل غير مباشر على سياسات حكومة الجولاني وضمان عدم تكرار الأعمال العدائية التي أستهدفت العراق في الماضي .
إذ لا يمكن أستبعاد أحتمالية تطور العلاقات بين البلدين مع مرور الوقت وتغير الأولويات والأيديولوجيات في ظل التحولات الإقليمية ، وقد يشجع الانفتاح المدروس هذا التطور الإيجابي .

ثالثاً / موازنة معقدة : نحو موقف وطني متوازن لا شك أن كلا الخيارين يحمل في طياته تحديات وأعتبارات دقيقة ، فالمقاطعة ، وإن كانت تتوافق مع القيم والمشاعر الوطنية أتجاه من أساء للعراق ، قد تعزل البلاد عن تطورات إقليمية مهمة ، وهو ما أشارت إليه بوضوح رسالة أميرة قطر التي ربطت حضورها مؤتمر بغداد بعدم توجيه دعوة للجولاني ،
في المقابل ، قد يخدم فتح الآفاق بعض المصالح العملية ، لكنه قد يُفسر على أنه تنازل عن المبادئ وتجاهل لتضحيات الماضي الأليمة .

من وجهة نظر وطنية ، ربما يكون المسار الأكثر حكمة هو تبني موقف حذر ومتوازن ، يمكن للعراق أن يتمسك بموقفه المبدئي الرافض لجرائم الماضي مع الانخراط بشكل محدود ومدروس مع حكومة الجولاني في القضايا التي تخدم المصالح العراقية بشكل واضح وقابل للتحقيق ، يجب أن يصاحب ذلك تأكيد مستمر على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم وعدم تكرارها ، هذا النهج الدقيق قد يسمح للعراق بحماية قيمه ومصالحه في آن واحد ، في ظل التعقيدات المتزايدة التي تشهدها المنطقة …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى