ماذا لو لم يأمر المالكي بإعدام صدام؟
بقلم _ ضياء أبو معارج الدراجي
حين وقّع نوري المالكي أمر إعدام صدام حسين في فجر عيد الأضحى، لم يكن يعلم أنه لا يُسدل الستار على مرحلة فحسب، بل يرسم خطًا فاصلاً بين العراق الأمس والعراق الغد، بين دولة الخوف ودولة العدالة. لكنه أيضًا، دون أن يدري، أغلق بابًا كان يمكن أن يكون ممرًّا للمهانة السياسية والتسويات الرخيصة، ولعلنا اليوم، بعد مرور كل هذه السنين، ندرك أن ذلك القرار لم يكن فقط تنفيذًا لحكم قضائي، بل كان غلقًا لقوسٍ أراد البعض أن يُبقيه مفتوحًا للمساومة.
فلنتخيّل لحظة: ماذا لو لم يأمر المالكي بإعدام صدام؟
ماذا لو بقي في سجنه كما بقي غيره؟
الجواب واضح: كان سيُطلق سراحه، حاله حال أحمد العلواني، الإرهابي الذي حُكم بالإعدام بعد جريمة قتل واضحة بحق ضباط وجنود من الجيش العراقي، ثم خرج من السجن عبر قانون عفو عام، كأن دماء الشهداء بلا قيمة، وكأن الدولة بلا ذاكرة.
صدام كان سيبقى في السجن أول الأمر، ثم تبدأ الضغوط. تبدأ دعوات “المصالحة”، و”الصفح”، و”ضرورة طي صفحة الماضي”، وتُفتح قنوات، وتُصاغ صفقات، وتنشط الأجندات. وفي لحظة ضعف سياسي أو مساومة انتخابية، كان سيُسن قانون عفو جديد، ويُطلق سراحه باسم “العدالة الانتقالية”، أو “بناء اللحمة الوطنية”، أو أي عنوان خادع اعتادت السياسة أن تلوّن به خياناتها.
حين خرج العلواني من السجن، لم يُطرح السؤال عن القتلى الذين سقطوا في معركته ضد الدولة، ولا عن أسر الضحايا، ولا عن مشاعر الجيش الذي قاتل دفاعًا عن النظام الدستوري. بل عاد البعض يصفه بـ”المناضل”، وكأننا من دون ذاكرة، أو كأننا لا نعرف الفرق بين السجين السياسي وبين القاتل المتلبّس بالسلاح.
ولو بقي صدام حيًا، لخرج بذات الطريقة، بل لخرج أقوى. سيكون له جمهور، وفضائيات، وأذرع، وربما يعود إلى المشهد من بوابة “الحنين إلى الدولة القوية”، وستُعاد صياغة صورته، كما يُعاد اليوم تلميع قتلة الماضي تحت يافطات جديدة.
ولن ننسى أن بعض الأصوات كانت ولا تزال، تترحم عليه، لا حبًا به، بل نكاية بالوضع الحالي، وتعبيرًا عن يأس شعبي تُستغل عواطفه في لحظات الضعف. فلو بقي صدام حيًا، لما كان العراق على حاله، ولما استطاع أحد أن يبني دولة ولا يطوّر مؤسسات، بل لبقينا أسرى ماضيه وتهديدات أتباعه، الذين كانوا سيقاتلون ليس لتحريره، بل لإعادته حاكمًا.
أما الشيعة، الذين نُكّل بهم في عهده، والذين كانوا ينتظرون يوم إنصافهم، فكانوا سيشعرون أن تضحياتهم ذهبت سُدى. كانوا سيرون قاتلهم حيًا، وربما يخرج ليمارس السياسة من جديد، كما خرج غيره، وكما عاد البعثيون بأسماء جديدة، وألقاب مُلمّعة.
حين نُفّذ حكم الإعدام بصدام، فهم الشعب أن للعدالة ثمنًا، وأن للمظلومين حقًا، وأن القانون يمكن أن يكون سيفًا بوجه الطغاة. لكن حين أُخرج العلواني، فُهم أن السجون في العراق ليست إلا محطة انتظار لحين تغيّر الموازين.
نعم، لو لم يأمر المالكي بإعدام صدام، لخرج صدام مثل العلواني.
ولو خرج صدام، لما بقي شيء اسمه “دولة”.
ولصار الحكم في العراق مجرد تفاهمات بين القتلة، لا بين السياسيين.
فلنحفظ تلك اللحظة من التاريخ، ولنضعها بميزان العقل لا العاطفة.
فالعدالة لا تعرف المجاملة، ولا تتحمّل التأجيل، ولا تعترف بالعفو عن القتلة.
وإن كان لنا أن نبني وطنًا، فلا بد أن نتذكّر دائمًا: أن من يتهاون بدم الشهيد، يمهد الطريق للطاغية القادم.
ضياء ابو معارج الدراجي