“الفقيه… نظارتك إلى الشريعة”

بقلم _ د. أحمد الخاقاني

من منا لا يعلم أن من لديه خلل في بصره لا يستطيع رؤية ما حوله بشكلٍ صحيح، ويكون ملزماً بارتداء النظارات الطبية، كي يصحح بصره وتصبح رؤيته سليمة، تُمكّنه من تمييز الجيد من السقيم، واختيار الطريق الصحيح، والتفاعل المتوازن مع من حوله.
ومن هذا المنطلق الواقعي نفهم حقيقة التقليد، وهي: وجود قصر نظر في معرفة الأحكام الشرعية لدى غالبية المؤمنين(غير المتخصص ولو يبلغ رتية الإجتهاد)، مما يستلزم وجود شخص متخصص، عارف بالأحكام، متصدٍ لها، يكون واسطةً بيننا وبينها، لينقل إلينا ما نُبتلى به من مسائل شرعية في حياتنا اليومية.
وللتقريب أقول:
الفقيه هو النظارة الطبية التي يرتديها كل من قَصُر بصره عن إدراك الحكم الشرعي.
والتقليد هو ارتداء هذه النظارة، المتمثلة في الفقيه الفلاني (…….)، وفق ضوابط وشروط محددة، إذ ليس كل نظارة تُحقق الرؤية السليمة، ولا كل فقيه يملك شروط التقليد.
وبما أننا ـ في الأعم الأغلب ـ قاصرون في معرفة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، صار لزاماً علينا ارتداء “نظارة هي الفقيه” لتكون واسطتنا في النظر إلى الشريعة وتعاملاتنا اليومية. وهنا لا بد من الإشارة إلى ملاحظتين مهمتين تتعلقان بكيفية ارتداء هذه النظارة (أي اتباع الفقيه الجامع لشرائط النظر السليم):
أولاً: يجب النظر من خلال “النظارة” إلى الخارج، لا إليها. أي: عندما أنظر من خلال الفقيه، لا أرى الفقيه نفسه، بل أرى الواقع بوضوح وحكم كل واقعية. فالنظارة تصبح مندمجة في بصري، وبصري مندمج بها. قمة التقديس للنظارة هو استخدامها في ما صُنعت لأجله. أما من ينشغل بإطار النظارة وعدساتها وسعرها وشركتها، فسيقع في أقرب حفرة، لأنه شُغل بالنظارة نفسها لا بالرؤية التي تتيحها. وهذا هو حال من يُغالي في تمجيد الفقيه وتقديسه دون مبرر شرعي.
فلم تُطلب منا النظارة الصالحة إلا للرؤية السليمة، لا للتسويق أو التفاخر، لأن “كل من كان صالحاً في نفسه استحق أن يكون منهاجاً للصلاح في الآفاق”،.
ثانيًا: علينا أن نلتفت إلى أن النظارة قد تتعرض للكسر أو التلف في أي لحظة (أي: وفاة الفقيه). وعليه، يجب استبدالها بنظارة أخرى متوفرة، لكن ضمن ضوابط صحيحة تضمن سلامة النظر الشرعي. فإن اخترت نظارة غير مطابقة للشروط، أو تحيط بها الشبهات، فقد أقع في المحذور، مما ينذر بانحراف الطريق في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى