العراق : من براثن الدكتاتورية إلى مستنقع المحاصصة ؟

بقلم / الخبير بالشأن السياسي والأمني طه حسن الأركوازي

 

على أمتداد عقود مضت ترسّخت في تربة العراق تحولات سياسية عميقة تركت بصمات واضحة على نسيجه الاجتماعي والاقتصادي ، ففي الحقبة التي سبقت عام 2003 ، رزح العراق تحت نظام حُكم دكتاتوري فردي مارس أبشع صور القمع والإقصاء ، وزج البلاد في حروب عبثية طائشة أستنزفت مقدرات الشعب وأضرت بعلاقات العراق الإقليمية والدولية .
بدأت حروب الطاغية مع إيران التي أستمرت لثماني سنوات وقد أهلكت الحرث والنسل ، وصولاً إلى غزو الكويت الكارثي الذي أدخل العراق في دوامة من العزلة الدولية ، وعقوبات أقتصادية خانقة كانت وبالاً على العراقيين من شدتها .
وعندما سقط صنم الدكتاتورية ، تطلعت الأنظار إلى فجر جديد يبزغ على العراق ، فجر الديمقراطية والحرية بيد أن الإدارة المؤقتة للحاكم المدني ( بول بريمر ) تبنت نظام المحاصصة السياسية كآلية لتشكيل الحكومة ، مستلهمة نموذجاً مُشابهاً لما هو معمول به في لبنان ، رغم الزعم بأن هذا النظام سيحقق توازناً سياسياً بين المكونات العراقية المتنوعة ، لكن سرعان ما تحول إلى بوابة خلفية للفساد ، نتج عنه إضعاف مؤسسات الدولة ، كون الأحزاب كانت توزع المناصب بناءاً على الولاءات الطائفية والحزبية الضيقة بدلاً من معايير الكفاءة والنزاهة والمهنية .
لقد تحوّل نظام المحاصصة السياسية إلى سرطان خبيث ينخر جسد الدولة العراقية ، فهو ليس مجرد شرخ بل هو فجوة عميقة أبتلعت الكفاءات ، وولّدت طبقة سياسية بائسة لا تعرف سوى لغة تقاسم النفوذ وتوزيع المغانم ، لقد مگن هذا النظام قوى الظلام من التسلل إلى مفاصل الدولة ، فباتت المؤسسات أسيرة لمحاصصات ضيقة ، والمناصب على أختلافها أصبحت غنائم تُوزع على أساس الولاءات الحزبية والفئوية لا وفق الكفاءه والمهنية والنزاهة .؟
هذه الآلية المشبوهة لم تُنتج سوى ساسه عاجزين عن أستشراف المستقبل ، غارقين في وحل الفساد وسوء الإدارة ، فحوّلت العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ، وأضاعت فرص التنمية والازدهار على شعب يستحق أفضل من هذا الواقع المرير .

لقد بات العراق اليوم أشبه بالمريض الذي يتذكر أيام عافيته بحسرة ، فالتحديات المتراكمة تحول دون أستعادة مكانته التاريخية وحضارته العريقة التي أسهمت في بناء أسس الحضارة الإنسانية فبدلاً من أن يكون العراق مركزاً إقليمياً مؤثراً وقوة أقتصادية صاعدة أصبح يعاني من أنقسامات سياسية عميقة ، وفساد مالي وإداري ينخر مؤسساته ، وتدهور في الخدمات الأساسية ، وتفشي البطالة بين الشباب ، فضلاً عن التوترات الأمنية التي لا تنتهي .

اليوم ومع أقتراب موعد الانتخابات النيابية القادمة ، يعلق العراقيون آمالاً عريضة على أن تكون هذه المحطة مفصلية في تاريخ البلاد ، وأن تسفر عن تغيير حقيقي يقود إلى بناء دولة قوية ومزدهرة ، يتطلع الشعب إلى صعود قيادات وطنية صادقة ومخلصة ، تضع مصلحة العراق فوق كُل أعتبار ، وتعمل بجد للقضاء على نظام المحاصصة المقيت ، وأستعادة هيبة الدولة ، وسيادة القانون ، كما يطمح العراقيون إلى إحياء القطاعات الاقتصادية المتنوعة ، مثل : الصناعة والزراعة والسياحة ، وتقليل الاعتماد الكلي على النفط كمصدر وحيد للموازنة ، مما يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويُعيد للعراق دوره الريادي على الصعيدين الإقليمي والدولي .

إن تجاوز الوضع السياسي المتردي في العراق يتطلب شجاعة وإرادة وطنية حقيقية للانتقال من نظام المحاصصة الحزبية والطائفية إلى نظام وطني مؤسساتي قوامه الكفاءة والخبرة والنزاهة ، فالمستقبل المشرق للعراق يكمن في تمكين الكفاءات الوطنية النزيهة من تولي زمام الأمور ، وإرساء دعائم دولة المواطنه والمؤسسات والقانون التي تحتضن جميع أبنائها ، وتسعى لتحقيق العدالة والرخاء للجميع :

1- تأثير التدخلات الخارجية : يمكن الإشارة بشكل أكثر وضوحاً إلى تأثير التدخلات الإقليمية والدولية في تعميق الانقسامات السياسية وتكريس نظام المحاصصة .
2- دور المجتمع المدني : تسليط الضوء على أهمية دور منظمات المجتمع المدني والقوى الشبابية في الضغط من أجل الإصلاح والتغيير .

3- التحديات الاقتصادية : يمكن التوسع في شرح التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق نتيجة للفساد وسوء الإدارة والاعتماد المفرط على النفط كمورد وحيد للموازنة .

4- أهمية بناء هوية وطنية جامعة : التأكيد على ضرورة العمل على بناء هوية وطنية عراقية جامعة تتجاوز الانتماءات الضيقة .

أخيراً وليس أخراً ، يمكن القول إن العراق يقف اليوم أمام مُفترق طرق حاسم ، فبعد عقود من الدكتاتورية والحروب العبثية وحصار جائر ، يواجه تحدياً وجودياً يتمثل في تجاوز إرث المحاصصة الذي عرقل مسيرة بناء دولة وطنية حديثة ومستقرة ، ويمكن أعتبار الانتخابات القادمة فرصة تاريخية للعراقيين للتعبير عن إرادتهم في التغيير وأختيار قيادات قادرة على أنتشال البلاد من براثن المحاصصة والفساد ، إذ يبقى الأمل معقوداً على وعي الشعب وإصراره على تحقيق تطلعاته في دولة يسودها القانون ، وتُحترم فيها الكفاءات والنُخب ، وتُصون حقوق جميع مواطنيها ، لكي يستعيد العراق عافيته ودوره الحضاري والإقليمي الذي يستحقه …!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى