#شروكي – وافتخر 

بقلم _ قاسم الغراوي 

   كاتب وصحفي 

انا ابن العراق والرافدين

احمل حروف التاريخ

في اوردتي

اقاوم الريح

ومازال (الخنجر )المسموم في خاصرتي

 

كلمة “شروكي” في العراق تُستخدم كصفة، وغالبًا تطلق على الأشخاص الذين ينحدرون من وسط وجنوب العراق، خصوصًا من مناطق ذات غالبية شيعية (مثل العمارة، الناصرية، الكوت، البصرة وغيرها).

 

أصل الكلمة يربط عادة بالاتجاه الجغرافي، إذ أن كلمة “شرق” أو “شَرق” كانت تطلق على هذه المناطق بالنسبة لبغداد

وفي بعض الدراسات والبحوث تعود هذه الكلمة في التراث التاريخي العراقي بمعانٍ اجتماعية وتاريخية متعددة. توجد في السومرية كلمة «šur» تعني «أصيل» أو «مواطن»، والمقطع ki الذي يشير إلى «الأرض» وبترجمة يكون المعنى ( مواطن اصيل) وهذه الأسطورة تعبّر عن رغبة قوية في استعادة الفخر بجذور العراق الحضارية وانتماء اهل الجنوب اليها .

 

وحديثا تعود الكلمة إلى العهد العثماني أو حتى بدايات الدولة العراقية الحديثة (1920)، عندما كانت النخبة الحاكمة تميل إلى (التمييز الاجتماعي والطائفي) ضد أبناء الجنوب والفرات الأوسط باعتبارهم “قرويين”، “فلاحين”، أو “أقل تحضرًا” بالمقارنة مع سكان بغداد والموصل وبعض المدن الأخرى.

 

خلال فترات من تاريخ العراق، خصوصًا في زمن الحكم الملكي، ثم أكثر وضوحًا أيام نظام البعث والدكتاتور صدام حسين، تم تعزيز بعض التصنيفات المناطقية والطائفية لأسباب سياسية واجتماعية ولقد عانى ابناء الجنوب من الاهمال والامية والقتل والتنكيل والاعدامات وكانوا وقودا للحروب العبثية مع دول الجوار والعالم .

 

استخدمت كلمة “شروكي” بصورة نمطية للسخرية أو التقليل من سكان الجنوب باعتبارهم “أقل تعليمًا”، “فلاحين”، أو “غير مدنيين”، وغير متحضرين رغم أن فيهم الطبيب والمهندس والاديب والفنان والمدرس والباحث والمبدع هذا التصنيف ظالم وغير علمي ومقصود للتمييز العنصري الطائفي المقيت .

 

والحقيقة، كثير من سكان الجنوب ( الشروكية ) أسهموا بعمق في بناء العراق الحديث: في الجيش، الأدب، الاقتصاد، والسياسة ، والفن وبامكان القاريء ان يضع اصبعه على اسماء لامعة في الاعلام والادب والفن والتاليف والبحوث وفي كافة المجالات واصلهم (شروكية) .

 

السؤال لماذا تُستخدم هذه المفردة للمنقصة؟

لأنها ترتبط بخلفية (طبقية ومناطقية وطائفية) لم يغادرها الذين يحنون الى زمن البعث الجميل ،و استخدام هذه الكلمة كنوع من الانتقاص يرتبط بتعزيز فكرة أن القادم من الريف أو من بيئة جنوبية هو “أقل منزلة” اجتماعياً، وبالتالي لايستحق ان يكون في مراكز متقدمة وهذا انعكاس لصراع طويل على الهوية والسلطة والعقيدة والطائفة والثروة داخل العراق.

 

من جهة أخرى، الطائفية السياسية بعد 2003 ساعدت على إعادة إحياء هذه المصطلحات العنصرية والمناطقية، رغم محاولاتنا ببداية جديدة في عراق يتسع للجميع لافرق بينهم الا بالعطاء والإخلاص والوطنية والتضحية وحاول الكثير من المثقفين والوطنيين مقاومتها لكن للاسف لازالت عند بعض العقول المتحجرة .

 

أيام النظام البعثي، كانت التعيينات في المناصب العليا والأمنية تُميِّز أحيانًا ضد أبناء الجنوب بشكل غير رسمي، وكان هناك نوع من الهمس أو الحديث عنهم كـ”شروگية”، خصوصًا بعد انتفاضة 1991، حيث رسخت الدعاية الرسمية صورة نمطية سلبية عن “الشروكي” بأنه “متمرد” أو “غير موثوق به” وانه جاء من بلاد الهند والسند وهذا ماتابعته حينها في مقالات نشرت في جريدة الثورة بقلم شخصية متنفذة دون ان يذكر اسمه .

 

بعد سقوط النظام في 2003، ومع صعود القوى السياسية الممثلة للشيعة حاول البعض إعادة الاعتبار لهذه الفئات، لكن بالمقابل استُخدمت كلمة “شروكي” أحيانًا من قبل خصوم سياسيين معروفين (سياسيين) بطريقة ساخرة لاتهام الخصوم بالـ”تخلف” أو بـ”الطائفية”.

 

أبناء الجنوب تبنوها بفخر، فأصبح بعضهم يقول بفخر: “نعم أنا شروكي وأعتز”، رافضين الإهانة ومحاولين قلب المعادلة.

 

وفي الطرف الاخر البعض الآخر ما زال يستخدمها كنوع من السخرية أو التنمر الاجتماعي، خصوصًا على وسائل التواصل الاجتماعي أو في النزاعات السياسية.

 

كلمة “شروكي” ليست مجرد “شتيمة”، بل هي تعبير عن صراع طويل ومرير معمد بدماء شهداء ( الشروكية) على العدالة الاجتماعية والمساواة في الهوية الوطنية. وهي إحدى علامات فشل مشروع بناء دولة المواطنة المتساوية في العراق عبر العقود الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى