المحاصصة في العراق : تشبث سياسي رغم الرفض الشعبي المُتصاعد .؟
بقلم _طه حسن الأركوازي
الخبير بالشأن السياسي والأمني
رغم مرور أكثر من عقدين على تأسيس النظام السياسي العراقي الجديد ، لا تزال الطبقة السياسية متمسكة بشكل صارخ بنهج المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية ، حتى مع تصاعد الغضب الشعبي وأرتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير الجذري .
فمنذ أحتجاجات تشرين عام 2019 وحتى اليوم عبّر العراقيون عن رفضهم الواضح للنظام القائم على تقاسم السلطة والمنافع بين الأحزاب على حساب بناء دولة مؤسسات حقيقية ، ومع ذلك ، لم يكن الرد السياسي بمستوى هذا الرفض الشعبي ، بل تمثل في محاولات التفاف لفظي حيث رفعت القوى التقليدية شعارات ( الإصلاح و التغيير ) ، بينما حافظت على جوهر النظام القائم بلا مساس .
اليوم يمكن تشخيص سلوك الطبقة السياسية بمراحل ( الإنكار والغضب والمساومة ) ، وفقاً لنظرية ( إليزابيث كوبلر روس ) الطبيبة النفسية الأميركية السويسرية والباحثة في ماهية الموت وحالات المرضى الميؤوس من شفائهم ، والمرضى الذين يحتضرون ، عن المراحل الخمسة لمواجهة الموت الحتمي ، دون أن تصل هذه الطبقة إلى مرحلتي الاكتئاب أو القبول بالخسارة .
يتمثل الإنكار في ادعاء بعض الأطراف أن المحاصصة أصبحت جزءاً من الماضي ، رغم أن تشكيل الحكومات وتوزيع المناصب العليا والوسطى والدنيا لا يزال محكوماً بالمحااصة والتوافق والتوازن .؟
أما الغضب فيتجلى بأتهام أحزاب السلطة للمنتفضين والناشطين بالعمالة والفوضى .؟
وتترجم المساومة بوعود إصلاحية لا تتعدى إطار التصريحات الإعلامية .؟
أولاً / أمثلة من الواقع الحالي :
1. توزيع المناصب الوزارية :
المتخصص والمتابع والمُهتم بالشأن العراقي يُدرك جيداً بإن جميع الحكومات المتعاقبة ، وكابيناتها الوزارية ، والتعيينات من أعلى المناصب إلى أدنى الدرجات الوظيفية الحكومية يتم تحديدها بناءاً على المحاصصة الحزبية والطائفية أو القومية والتوازن ، فيما تبقى الكفاءة والمهنية والخبره والنزاهة معياراً ثانوياً .؟
وفقاً لتقرير مؤسسة “برلمان المواطن” لعام 2024 ، تم توزيع 92% من الحقائب الوزارية بناءاً على الانتماءات الحزبية والطائفية ، بينما تبقى الكفاءة والمهنية معياراً ثانوياً .؟
2. أزمة التصويت على رؤساء الهيئات المستقلة :
أزمة التصويت على رؤساء الهيئات ورؤساء المؤسسات المهمة لا تزال رهينة التفاهمات السياسية والتوافق والمحاصصة والتوازن ، بدلًا من تقييم الأداء والخبرة والمهنية .
ثانياً / المسارات الممكنة للتخلص من نظام المحاصصة .؟
إن التخلص من هذا النظام يتطلب أستراتيجية إصلاحية متكاملة تشمل عدة مسارات رئيسية :
1. الإصلاح الدستوري :
يجب تعديل الدستور لضمان إلغاء المحاصصة ، وتحقيق توزيع المناصب على أساس الكفاءة والخبرة والمهنية والمواطنة .
2. قانون أنتخابي عادل :
تبني نظام أنتخابي يكسر أحتكار الأحزاب التقليدية ، ويمنح الفرصة للأفراد المهنيين والكفؤين من ذو الخبره والمستقلين .
3. بناء مؤسسات قوية ومحايدة :
تعزيز أستقلال القضاء والهيئات الرقابية ، بحيث تصبح المؤسسات العراقية أكثر قدرة على أداء مهامها بفعالية وأريحية من دون أي تدخل حزبي .
4. تنمية وعي جماهيري مستمر :
دعم الحركات المدنية والمجتمعية وتعزيز الوعي بالمواطنة والعدالة الاجتماعية .
5. تشجيع الحركات السياسية الجديدة :
دعم القوى الوطنية الناشئة التي ترفض التقسيم الطائفي والقومي ، وتتبنى برامج سياسية شاملة .
6. الضغط الدولي المتوازن :
أستثمار الدعم الدولي لتحقيق الإصلاح دون تدخلات خارجية تدعم المحاصصة .
أخيراً وليس أخراً إن الشعب العراقي يدرك أكثر من أي وقت مضى أن لا خلاص من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية دون إنهاء نظام المحاصصة بالكامل ، لكن قوى السلطة تبدو مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود للحفاظ على أمتيازاتها ومصالحهم الحزبية والغئرية .؟
إن وعي الجماهير ، مع إصرار النخب الوطنية ، قادران على تغيير المعادلة السياسية ، وإحداث قطيعة مع ماضٍ مثقل بالتقسيم والمحاصصة ، نحو مستقبل يليق بطموحات العراقيين جميعاً ، فالمعركة ضد نظام المحاصصة لم تنتهِ ، بل هي مستمرة وتتطلب صبراً طويلاً وإصراراً جماهيرياً لا يهدأ حتى تتحقق دولة المواطنة والعدالة بعيداً عن التقاسم الحزبي والطائفي والقومي …!