ظاهرة الجندرة ودين الإسلام الجعفري

بقلم _ زهراء الساعدي

((الباحثة والإعلامية ))

مع تصاعد الحركات الفكرية في القرن العشرين، برز مصطلح “الجندرة” (Gender)، مشيرًا إلى الفوارق الاجتماعية والثقافية بين الذكر والأنثى بعيدًا عن الفوارق البيولوجية. هذا المفهوم الذي انطلق من الحركات النسوية، سعى إلى التشكيك في ثنائية الذكر والأنثى بوصفها “صناعة اجتماعية”، مما أدى إلى اصطدامه مع الأطر الدينية والتقليدية الراسخة.

(نشأة ظاهرة الجندرة)

تُرجع الدراسات التاريخية ظهور مفهوم الجندرة إلى مطلع ستينيات القرن العشرين، في سياق نقد الأدوار الاجتماعية التقليدية للنساء والرجال. رأت منظرات الجندرة، مثل “جوديث بتلر” في كتابها “اضطراب الجندر”، أن الهوية الجنسية ليست حتمية بيولوجيًا بل تُبنى اجتماعيًا وثقافيًا.

(موقف الأديان والمذاهب)

قوبلت ظاهرة الجندرة برفض قاطع من جميع الأديان السماوية:

في الإسلام: يؤكد القرآن على الخلق الثنائي: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49]، ما يدل على أن الثنائية الذكرية والأنثوية أصل وجودي لا يمكن إلغاؤه.

في المسيحية: ينص سفر التكوين أن الله خلق الإنسان “ذكرًا وأنثى خلقهم” (تكوين 1: 27).

في اليهودية: تعتبر التوراة أن تقسيم البشر إلى ذكر وأنثى هو جزء أساسي من النظام الإلهي للعالم.

وبالتالي، تُعدّ محاولات محو هذه الثنائية أو تسييل الهوية الجنسية خروجًا عن المنهج الإلهي الجامع.

(الإسلام الجعفري ورؤية الجندرة)

يُبنى الفقه الجعفري على أساس الفطرة الإلهية التي يؤكدها القرآن: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30].
وقد تعاطى فقهاء الشيعة الإمامية مع الحالات الخاصة (كالخنثى) بوضع أحكام دقيقة تحدد هويته بناءً على الخصائص الظاهرة، مما يدل على مرونة التشريع مع مراعاة الفطرة وعدم المساس بها.

وقد أكد الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أن الله خلق الإنسان من ذكر وأنثى بقوله:

كذلك، ينبه السيد الخوئي (قدس سره) إلى خطورة إنكار الفطرة في تفسير الهوية الإنسانية، معتبرًا أن ذلك يؤدي إلى تحريف الإنسان عن غايته الوجودية.

إن ظاهرة الجندرة تتعارض مع جوهر الفطرة الإلهية ومع التعاليم السماوية جميعًا. ويُظهر الإسلام الجعفري قدرة كبيرة على معالجة الحالات الخاصة ضمن إطار شرعي دقيق، من دون الانسياق وراء الاتجاهات الحديثة التي تهدد هوية الإنسان.

لذلك، فإن موقف الإسلام الجعفري، كما هو موقف جميع الأديان والمذاهب، هو الرفض التام لمحاولة فصل الجندر عن الجنس البيولوجي، حفاظًا على الكرامة الإنسانية الأصيلة وعلى السُنة الكونية التي أرادها الله تعالى.

ما هي الجندرة؟ ولماذا حرمها الله عز وجل؟

أولًا: ما هي الجندرة؟

الجندرة (Gender) مصطلح حديث ظهر في القرن العشرين، ويعني الفروقات الاجتماعية والثقافية بين الذكر والأنثى، وليس الفروقات البيولوجية.
بمعنى آخر:

“الجنس”يعني كون الإنسان ذكرًا أو أنثى بحسب جسده وأعضائه البيولوجية.

أما “الجندرة” فهي تقول إن الذكورة والأنوثة ليست ثابتة بل “صناعة اجتماعية”، ويمكن للشخص أن يغيرها بحسب ميوله أو رغباته.

بعض أصحاب فكرة الجندرة يقولون:

الرجل يمكن أن يتصرف كامرأة لأن المجتمع هو من فرض عليه التصرف كرجل!

والمرأة يمكن أن تتصرف كرجل، بل يمكن للإنسان أن يختار هويته الجندرية كما يريد، بغض النظر عن جسده البيولوجي!

وبمرور الزمن، توسعت الفكرة لتشمل “التحول الجنسي” و”التعدد الجندري”، فصاروا يقولون إن هناك عشرات “الهويات الجندرية”، وليس فقط ذكر وأنثى.

ثانيًا: لماذا حرّمها الله عز وجل؟

في الحقيقة، الله عز وجل لم يذكر كلمة “الجندرة” لأنها مصطلح حديث،
ولكن الشريعة الإسلامية – وكل الأديان السماوية – حرّمت الأفكار والسلوكيات التي تقوم على طمس الفطرة وتغيير خلق الله

وهذه بعض الأسباب:

(مخالفة الفطرة الإلهية)

الله خلق البشر ذكرًا وأنثى بقوله:
{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ} [الليل: 3] {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49].

والفطرة (الطبيعة الأصلية) للإنسان تقوم على قبول جنسه كما خلقه الله.
أما الجندرة فتدعو إلى رفض هذه الفطرة.

(تحريف مفهوم الأسرة والزواج)

الإسلام يقوم على أساس الزواج بين ذكر وأنثى.
إذا أُلغيت الفروق بين الذكر والأنثى، فسوف تنهار الأسرة، ويُفسد المجتمع.

(تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال (محرم شرعًا)

قال رسول الله محمد (صل الله علية وآله وسلم ):

“لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.”

وهذا الحديث الشريف يُحرّم تقليد الذكور للإناث أو العكس، وهو جوهر فكرة الجندرة.

( تغيير خلق الله)

الله حذر في القرآن من إغواء الشيطان للإنسان بأن يغير خلق الله:
{وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119].

وتغيير الهوية الجنسية أو محاولة التنصل من خصائص الجنس الذي خُلق عليه الإنسان يدخل تحت هذا التهديد.

الجندرة: فكرة حديثة تدعو إلى أن الهوية الجنسية محرمة مسألة اختيارية وليست خلقية كما يدعون بعض الناس.

الإسلام (وكل الأديان السماوية) يرفض الجندرة لأنها:

تخالف الفطرة.

تفسد الأسرة والمجتمع.

تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال (محرم).

تدخل في تغيير خلق الله، وهو من وساوس الشيطان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى