دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الإحياء وثورة التصحيح
بقلم _الشيخ. عبدالكاظم مجيد حبيب الاسدي
وهكذا تبرز وثائقيّة هذا الطرح الإعلاميين ن البليغ ، ويتجلّىٰ دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الإحياء وثورة التصحيح ، ومن هذه المحطّة تبدأ رحلة الألف ميل مسافة وعمقاً من الشام إلىٰ المدينة ، ليستأنف الإمام عليه السلام مهمّته الرسالية في استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة.
المحطة الثالثة : في المدينة المنوّرة :
١ ـ دوره العلمي.
ليس الحديث عن الدور العلمي للإمام السجّاد عليه السلام ممّا تجمعه السطور ، أو تفي بالتعبير عنه ؛ ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن ذلك الدور وما كان يتمتّع به صاحبه من منزلة.
لقد عاش الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنوّرة ، حاضرة الإسلام الاُولىٰ ، ومهد العلوم والعلماء ، في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة ، مع كبار علماء التابعين ، فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم ، الأعلم والأفقه والأوثق ، بلا ترديد.
فقد كان الزهري يقول : « ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين ، وما رأيت أحداً كان أفقه منه ». وممّن عرف هذا الأمر وحدّث به الفقيه سفيان بن عيينة (۱۷).
وبمثل هذا كان يقول الشافعي محتجّاً بعلي بن الحسين عليه السلام علىٰ انّه كان « أفقه أهل المدينة » (۱۸). وبمثله كان يقول معاصر الإمام السجاد عليه السلام أبو حازم المدني (۱۹) ، وغيرهم كثير.
هذا وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الاُولىٰ في بلاد الإسلام ، يحملون عنه العلم والأدب ، وينقلون عنه الحديث ومن بين هؤلاء ، كما أحصاهم الذهبي : أولاده أبو جعفر محمّد « الباقر عليه السلام » وعمر ، وزيد ، وعبدالله ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، والحكم ابن عُتيبة ، وزيد بن أسلم ، ويحيىٰ بن سعيد ، وأبو الزناد ، وعلي بن جدعان ، ومسلم البطين ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعاصم بن عبيدالله ، وعاصم بن عمر ابن قتادة بن النعمان ، وأبوه عمر بن قتادة ، والقعقاع بن حكيم ، وأبو الأسود يتيم عروة ، وهشام بن عروة بن الزبير ، وأبو الزبير المكّي ، وأبو حازم الأعرج ، وعبدالله بن مسلم بن هرمز ، ومحمّد بن الفرات التميمي ، والمنهال بن عمرو ، وخلق سواهم .. وقد حدّث عنه أبو سلمة وطاووس ، وهما من طبقته (۲۰) ، غير هؤلاء رجال من خاصّة شيعته من كبار أهل العلم ، منهم : أبان بن تغلب ، وأبو حمزة الثمالي ، وغيرهم كثير (۲۱).
هذا الجمع الغفير وغيرهم ممّن وصف بالخلق الكثير أخذوا عنه عليه السلام علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ، والسُنّة النبويّة الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثّر بما سلف من سياسة المنع من التدوين ، السياسة التي اخترقها أئمّة أهل البيت عليهم السلام فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير ، إلىٰ أحكام الشريعة ، حلالها وحرامها وآدابها ، إلىٰ فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة علىٰ تعطيل الكثير من الأحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع ، إلىٰ الجهر في نصرة المظلوم وضرورة الردّ علىٰ الظالم وكشف أساليبه الظالمة للناس.
كما تأدّبوا علىٰ يديه في مجالسه بآداب الإسلام التي شحنها في أدعيته التي اشتهرت وانتشرت في عهده حتّىٰ أصبحت تشكّل لوحدها ظاهرة جديدة في تبني أسلوب روحي متين ، ليس لإحياء القلوب وشدّها إلىٰ الله تعالىٰ وحسب ؛ بل إلىٰ إحياء معالم الشريعة وحدودها وآدابها الأدعية التي حفظ المشهور جدّاً منها في الصحيفة المعروفة بـ « الصحيفة السجاديّة » نسبة إليه حيث عرف عليه السلام بالسجّاد.
والأثر المحفوظ عنه عليه السلام في كلِّ هذه الميادين أثر عظيم يجمع أسفاراً جليلة ، تتضمّن سائر علوم الشريعة الإسلاميّة.
وغير ذلك فقد سجّل الإمام عليه السلام سبقاً علميّاً وتاريخيّاً في رسالة تعد من مفاخر الإسلام وتراثه العلمي ، ألا وهي « رسالة الحقوق » الرسالة الخالدة المحفوظة بهذا العنوان ، والتي استوعبت جلّ الحقوق التي لا يستغني الإنسان عن معرفتها ، ولا يستغني المجتمع عن احيائها والعمل بها ، لأجل أن يكون مجتمعاً إسلاميّاً حيّاً بحقّ ، كما أرادت له الشريعة السمحة.
ومن ناحية أُخرىٰ فقد ظهرت في عهده عليه السلام مقولات عقيديّة تبنّتها فرق إسلاميّة وتمحورت حولها واتّخذت منها مناهج خاصّة في فهم عقائد الإسلام وتوجيه أحكامه ، كعقيدتي الجبر والارجاء اللتين روّج لهما الامويّون تبريراً لوجودهم في السلطة لمشروعهم السياسي ، وعقيدتي التشبيه والتعطيل في الصفات اللتين اتّخذتهما فرق متناقضة بذرائع مختلفة.
وإزاء هذه الاتّجاهات وقف الإمام عليه السلام موقفه الواضح والمنسجم مع منهجه في التعليم والدفاع عن مبادئ الشريعة ، فضمّن أقواله الحكيمة وأدعيته المشتهرة نصوصاً تجتث تلك المقولات من جذورها ، من ذلك موقفه مع عبيدالله بن زياد يوم أُدخل عليه في قصر الإمارة وعُرض عليه فقال له : من أنت ؟
فقال عليه السلام : « أنا علي بن الحسين ».
فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟
فقال له الإمام عليه السلام : « قد كان لي أخ يسمّىٰ عليّاً قتله الناس ».
فقال له ابن زياد : بل الله قتله.
فقال الإمام عليه السلام : « ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (۲۲) » (۲۳).
وكذا موقفه الآخر مع يزيد بن معاوية عند دخوله عليه مع أخواته وعمّاته في الشام.
قال يزيد : يابن حسين ، أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.
فقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام : « ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) (۲٤) » (۲٥). نساالكم. الدعاء. الله. يحفظكم. ان. شاء. الله. اخوكم. الشيخ. عبدالكاظم. مجيد. حبيب. الاسدي. 07770776680