جرائم واشنطن في اليمن… حرب إبادة لامعركة عسكرية

بقلم _د. محمد حسن الرقيمي

في ليل العدوان الطويل، حين تخرج الطائرات الأمريكية لتمطر سماء اليمن بحمم حقدها، كانت شاشات الإعلام الموجه تبث الرواية الأمريكية الرسمية؛ رواية براقة ظاهرها تأمين الملاحة، وباطنها مغطى بالكذب والتضليل. قالوا إنهم يستهدفون “تجمعات لقادة حوثيين”، ويضربون “مخازن صواريخ وسلاح”، قالوا إنهم أطلقوا أكثر من ثمانمائة غارة جوية، وإن كل طلقة أصابت هدفها العسكري دون خطأ.

لكن على الأرض، حيث الشهداء تتناثر أجسادهم، وحيث البيوت تهوي فوق رؤوس ساكنيها، كانت الحكاية الحقيقية تُكتب بالدم. لم تكن الغارات الأمريكية موجهة ضد المقاتلين ولا مواقع عسكرية كما ادعت، بل كانت حربًا مسعورة ضد كل شيء حي، حربًا ضد الأطفال الذين يحلمون، ضد الأمهات اللواتي يدعين في الليالي الحالكة، ضد الشيوخ الذين تقوست ظهورهم من سنوات الصبر والحصار.

لم يكن الهدف تأمين سفن ولا حماية ممرات، بل كان الهدف أعمق وأخطر: السيطرة على باب المندب، فرض النفوذ على البحر الأحمر، وإنشاء قواعد عسكرية في كمران والمخا، ليُخضعوا رقاب الملاحة الدولية لسطوتهم. لكن اليمن، البلد الذي اعتاد أن يكون مقبرة للغزاة، لم يسمح ولن يسمح بذلك.
الغارات المتواصلة، التي تفاخر بها قادة البنتاغون، لم تحقق لهم ما حلموا به. الصواريخ اليمنية البالستية ما زالت تشق طريقها إلى قلب تل أبيب، والمسيرات الحديثة تصنع الذعر في مدن الاحتلال. لم تُوقف الغارات عمليات الحصار البحري للسفن الصهيونية، ولم تُخفف الضغط عن حاملات الطائرات الأمريكية التي أصبحت تحت مرمى النيران اليمنية في شمال البحر الأحمر.

والأفظع من كل ذلك أن عدوانهم لم يفرق بين يمني أو غير يمني. في مجزرة صعدة الأخيرة، قتلوا بدم بارد مهاجرين أفارقة عُزل، لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب. أكثر من ثمانية وستين قتيلاً وأربعين جريحًا، في مركز لإيواء لاجئين، ضُرب ليسقط جريمةً في سجل أمريكا الأسود.

هذه المجازر اليومية، من صعدة إلى صنعاء، هي شهادة دامغة على أن العدوان الأمريكي في اليمن ليس حربًا نظيفة كما يروجون، بل هو إرهاب ممنهج ضد المدنيين، محاولة يائسة لتركيع شعب أبي لم ينكسر يومًا، ولن ينكسر.

فليكتب العالم أن أمريكا انهزمت أمام اليمن.
وأن صمود هذا الشعب، بكل وجعه وجراحه، يثبت أن الحرية لا تُشترى، وأن الأرض التي ارتوت بالدماء الطاهرة، لا يمكن أن تسلم رقابها للغزاة، مهما بلغ جبروتهم.

هكذا يُسجل التاريخ أن اليمن… لم يركع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى