سلسلة مقالات غرب اسيا(اليمن)حلقة ٤٨

انشقاقات الساحل الغربي.. تحوّل في المشهد اليمني وتحدٍ جديد للمشروع الخارجي

كنوز ميديا _ متابعة 

 

مثّلت التطورات الأخيرة في الساحل الغربي لليمن، وعلى وجه الخصوص الانشقاقات الجماعية من صفوف القوات المدعومة إماراتيًا، لحظة سياسية وعسكرية فارقة في مسار الحرب اليمنية.
أكثر من 100 ضابط من قوات “المقاومة الوطنية” في المخا أعلنوا انضمامهم إلى صفوف القوات المسلحة اليمنية في صنعاء، في ما اعتُبر على نطاق واسع تحوّلًا نوعيًا يعكس عمق التحديات التي تواجهها القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع اليمني.
❖ انشقاقات المخا.. تكشف اهتزاز الولاءات
تشير المعطيات الميدانية إلى أن الانشقاقات لم تكن وليدة لحظة ظرفية، بل جاءت نتيجة تراكمات من التباينات الداخلية، والإحساس المتزايد بفقدان المشروعية داخل المعسكرات المدعومة إماراتيًا.
الضباط الذين أعلنوا انضمامهم لصنعاء أشاروا صراحة إلى رفضهم الانخراط في عمليات لا تخدم المصلحة الوطنية، في خطوة تعكس صحوة سياسية وأخلاقية آخذة في الاتساع داخل الساحل الغربي.
❖ أزمات متراكمة داخل “المشروع الإماراتي”
منذ بدء الانخراط الإماراتي في اليمن، ظهرت عدة مؤشرات على محاولة تشكيل كيانات عسكرية محلية مستقلة عن القرار السيادي اليمني.
غير أن مشروع “القوات الموازية” بقيادة شخصيات مثل طارق صالح واجه تحديات في كسب ولاء مستدام، خاصة مع تعمّق الفجوة بين الأجندات الإقليمية والمصالح الوطنية لليمنيين على الأرض.
الضغوط النفسية، غياب رؤية موحدة، وتراجع الثقة بقيادة المشروع، جميعها كانت عوامل تسهم في تزايد حالات الانسحاب، وصولًا إلى هذا الانشقاق الجماعي الذي حمل رسائل واضحة على تآكل البنية الصلبة لتلك القوات.
❖ صنعاء.. وجهة الانتماء الوطني
في المقابل، تظهر صنعاء اليوم كجهة جامعة تستقطب عناصر وضباطًا يعيدون تموضعهم ضمن مشروع وطني يعلي من السيادة ويرفض الاصطفاف الإقليمي.
العقيدة القتالية للقوات المسلحة اليمنية، التي بُنيت على الاستقلالية السياسية والموقف السيادي، لعبت دورًا محوريًا في إعادة تشكيل التحالفات والانتماءات، وخاصة في ظل تصاعد الشعور العام بأن اليمن يجب أن يُدار من داخله، لا من الخارج.
❖ التداعيات الاستراتيجية على المشهد العسكري
يشكّل الانشقاق الأخير في المخا إرباكًا واضحًا للخطط العسكرية في الساحل الغربي، خاصة وأن الضباط المنسحبين يشغلون مواقع قيادية.
على المستوى العملياتي، فإن هذه التطورات تضعف بنية القيادة والسيطرة لدى التشكيلات المدعومة إماراتيًا، ما قد يؤثر على القدرة على تنفيذ أي تحركات ميدانية مرتقبة.
وعلى المدى الأبعد، قد تفرض هذه الانشقاقات على الإمارات إعادة النظر في طبيعة وجودها العسكري ودورها في الصراع، خاصة مع تصاعد التهديدات الأمنية والضغط المتزايد من أطراف إقليمية ودولية لإعادة تقييم الاستراتيجية في اليمن.
❖ مشهد سياسي جديد في الأفق
مع تزايد الانشقاقات، يتغير المشهد السياسي بشكل تدريجي باتجاه بلورة معادلة جديدة في اليمن، عنوانها الأساسي أن الحل لا يمكن أن يكون من خارج اليمن أو فوق إرادته.
وتبدو هذه التحولات أكثر وضوحًا في الساحل الغربي، الذي كان حتى وقت قريب ساحة نفوذ خارجي شبه مستقر، لكنه اليوم يشهد إعادة تموضع ديناميكية تكرّس منطق الدولة على حساب مشاريع الوصاية.
ختاماً،التحولات الجارية في المخا والساحل الغربي تحمل أبعادًا تتجاوز الجغرافيا، وتمثل رسالة بأن الرهان على القوى المحلية لا يمكن أن ينجح دون انتماء حقيقي إلى مشروع وطني جامع.
ومع تصاعد الانسحابات من التشكيلات المدعومة خارجيًا، تتعزز مكانة صنعاء كطرف وطني ذي رؤية موحدة لمستقبل اليمن، في وقت تتراجع فيه جدوى المشاريع المؤقتة القائمة على التمويل والارتباط بالخارج.

مركز بدر للدراسات الاستراتيجية
٢٠٢٥/٤/٣٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى