اليوم الأخير لطالب المدرسة الذي تشرفت إحدى العشائر بقتله
بقلم _ د. محمد العبادي
لفت نظري منشور مديرية تربية البصرة وهي تنعى طالب المدرسة الذي لا يتجاوز عمره ( ١٦ ) عاماً، وقد قتل نتيجة لثأر عشائري!!!
بداية نشكر الحقوقية أنوار الخفاجي لتناولها هذا الموضوع، ورأيت من الضروري أن نسجل كلمتنا في هذا الموضوع، وهو أضعف الايمان.
لقد كان ذلك الفتى كشأن اترابه يفكر ويحلم ، وربما في ليلته الأخيرة قرأ درسه وأمسك قلمه ليكتب واجبه الذي تركه ورحل عنه إلى الأبد . ربما أمسك الهاتف ولعب لعبته الاخيرة…ما كانت أمه عندما هيأت له وجبة الطعام أن تعرف أنها الوجبة الأخيرة له في هذه الدنيا، وما كانت أمه تعلم أنها تلقي عليه نظرات الوداع، وهو يخرج من البيت، ولو علمت بذلك لذهب بحلمها الشيطان، وما كان ليربط على قلبها رابط …
لم يكن أصدقائه ـ الذين كان يبادلهم الحديث ويلهو ويلعب معهم في ساحة المدرسة ـ وليعرفوا أنهم يلعبون معه لعبته الأخيرة …
لاشك أن عائلته سترى ذكرياته في كل زوايا البيت، وسيراود طيف خياله كل وجودهم قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم …
سيرى أهله وأصدقائه مكانه خالياً داخل مقاعد الصف، وستبقى صورته محفورة في ذاكرتهم.
لقد أنهت حياته القصيرة رصاصات مقصودة حفرت في جسده الغض وذاق فيها الألم ثم ارتعش من شدة النزع وفارق الحياة . إنّها بطولة سجلها الأوغاد على جسد هذا الطفل .
يا عشائر العراق المعروفة بالنخوة والرجولة هل ترضون بهذه البطولة والرجولة عندما تستقوي عشيرة معينة على الأطفال وتقطف أعمارهم؟!
يالها من شهامة وشرف نالتها تلك العشيرة عندما قتلت ذلك الفتى الحدث !!!…
أردد بألم ممض ما قاله الشاعر الجواهري:
كانت طبائع في العشائر ترتجى***
وقد لوثت حتى طباع العشائر
عجبت من تصرفات كثير من العشائر؛ فهي تجتمع وتتعاضد من أجل عقد الصلح بين عشيرتين متنابذتين ويتم لهم ذلك ، ثم تدور عجلة الأيام فينقلب أولئك الذين كانوا قد سعوا في الصلح بين العدوين إلى خصمين متنافرين يسعى آخرون لتأليف قلوبهم . إنهم يترددون في أدوارهم ويتنقلون في مواقعهم بين عرصتي التسالم والتخاصم .
إنّ عشائرنا عاطفية في عاداتها ومواقفها؛ تعصف بها الفرحة الغامرة فتنسيها آلامها، وتنهض بها نخوتها فتغيث الملهوف وتأوي المكروب وتكرم الضيف، لكن تلك العشائر تفقد توازنها وسيطرتها في لحظات الغضب الجنونية وتنسيها حميّتها انسانيتها . يا لها من مفارقة ان يجتمع (الضدان المتغايران) في قالب وعرف واحد .
لا أدري ماهو سهم الإعلام والمؤسسات والمراكز العلمية والتربوية في التخفيف من وطأة الأعراف العشائرية وتشذيبها؟!
ولا أدري ما هو سهم القوانين والتشريعات في الحد من تغول العادات العشائرية السلبية؟!
وأيضاً لا أدري ماهو سهم كل وزارة؛ بل باقي شرائح المجتمع في تضخيم أو تحجيم موضوع العادات العشائرية؟!.
لكننا نعلم بوجود النزاعات العشائرية،وتكرارها وسنويا تحصد أرواح عشرات وربما مئات الأبرياء، وتستنزف طاقات المجتمع ، وتسلب منهم راحتهم…
إنّها إرث ثقيل لم يكن وليد يومنا هذا، لكن بعض العوامل ساهمت في تقويتها ..
اتمنى أن تنهض الدولة وتنتقل من مرحلة رد الفعل إلى الفعل، وتكون هي المبادرة وتضع خطة طريق شاملة في مواجهة الثقافات والعادات العشائرية الدخيلة …
أظن حاليا موقع الدولة من العادات والتقاليد العشائرية هو موقع تعقب الحدث العشائري أو مواكبته، وأظن أن على الدولة أن تكون في مرحلة المبادرة والسبق للحدث …
إنّها مسؤولية الجميع، لكن الدولة تتحمل المسؤولية بشكل كبير، لأنها تملك الأدوات والامكانات والتأثير .