إضاءات حول دعاء كميل – الإضاءة الثانية عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم _ الشيخ مجيد العقابي
﴿ يا نور، يا قدوس، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين ﴾
في هذه المناجاة العلوية الشريفة، يقف العبد الخاشع على باب عظمة الألوهية، مناديًا بلسان الخضوع: “يا نور، يا قدوس، يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين”، وهو نداء يتضمن أسماءً ربانية ذات معانٍ راسخة في قلب التوحيد، تجمع بين الإحاطة الوجودية والتنزيه المطلق والسرمدية الأبدية.
يا نور
اسم الله “النور” ورد صريحًا في قوله تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (النور: 35).
وقد فسّر الإمام محمد الباقر عليه السلام هذه الآية بقوله:
“هُوَ هَادِي مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ”
(تفسير البرهان، ج4، ص68).
فالله عز وجل هو النور بمعنى الهداية، وهو أيضًا النور بمعنى الخلق، بل هو كما قال الإمام الصادق عليه السلام:
“نورُ الله لا يُدرك بالحواس، وإنما يُدرَك بالقلوب المؤمنة”
(توحيد الصدوق، ص114).
ونور الله هو الذي يُضاء به ظلام القلب، وتُبصر به البصائر طريق العودة إليه، ولهذا قال الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه:
“اللَّهُمَّ اجعل لي نورًا في قلبي، ونورًا في قبري، ونورًا في بصري، ونورًا في سمعي…”
(الصحيفة السجادية، الدعاء 20).
فهو نور المعرفة، لا نور الحس.
يا قدوس
القدوس من أسماء الله التنزيهية، وقد ورد ذكره في قوله تعالى:
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} (الحشر: 23).
قال العلامة الطباطبائي في الميزان (ج19):
“القدوس: المطهر في ذاته عن كل ما لا يليق بساحة الألوهية، لا يجانسه شيء، ولا يُقاس به شيء”.
وقد ورد في دعاء الجوشن الكبير، وهو من المأثور عن الإمام السجاد عليه السلام:
“يا قدوس، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن…”
(مصباح المتهجد، ص556).
إن قدسية الله تعالى تعني تنزيهه عن الحد، عن الحاجة، عن الظلم، عن الشبه، عن الزوال. وكلما تقدّس القلب بالتسبيح، اقترب من الحضرة القدسية التي لا يطؤها إلا أهل الطهارة.
يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين
هذا التوصيف مأخوذ من قوله تعالى:
{هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} (الحديد: 3).
وقد فسره الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة بقوله:
“الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا شيء بعده”
(نهج البلاغة، الخطبة 186).
ولفظ “أول الأولين وآخر الآخرين” دعاء بالتسليم لله في كل تقلبات الزمان، من البداية إلى النهاية، ومن الخلق إلى الحساب، ومن السر إلى الجهر. وهو أيضًا إعلانٌ أن لا أحد يملك الزمن إلّا مَن خَلقه.
قال الشاعر عبد الغني النابلسي في وصف نور الله وعظمته:
يا نورَ كلِّ النورِ يا مَن نوره
أزَلٌ على الآفاقِ فيضٌ دائمُ
ما للعيونِ سِواكَ من متعلّقٍ
وللقلوبِ سِوى سناكَ غنائمُ
حين ينادي القلب: يا نور، فهو يطلب البصيرة قبل البصر، والهداية قبل الطريق.
وحين يهمس بـ يا قدوس، فهو ينشد التطهّر من الذنب كما تتطهر الملائكة بالتسبيح.
وحين يخرّ ساجدًا وهو يقول: يا أول الأولين، ويا آخر الآخرين، فهو يقرّ بأن لا بدءَ له إلا بالله، ولا منتهى إلا إليه.
لا تنسوني من الدعاء في هذه الليلة المباركة عند قراءة دعاء كميل،
أسأل الله لي ولكم نورًا لا ينطفئ، وطهرًا لا يُدنّس، وثباتًا لا يزول.
الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح
#دعاء_كميل
الخميس. 2025/5/1