اليمن.. مستنقعٌ أمريكي بلا قاع وبأسٌ يماني يتخطى حدود الجغرافيا
بقلم / بشير ربيع علي الصانع
منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها واشنطن إسناد حربها في اليمن لتحالفٍ تقوده السعودية، ظنّت أنها أمام مهمةٍ سريعة لن تتجاوز أسابيع، تُحقق فيها أهداف السيطرة وتُمهّد الطريق أمام تطبيعٍ شاملٍ للمنطقة مع الكيان الصهيوني، لكنها لم تكن تعلم أن اليمن ليس ساحة مفتوحة، بل ميدان يتكسّر فيه الغزاة، وينقلب فيه الطمع إلى لعنة.
حرب الوكالة.. من أطماع الهيمنة إلى خيبة الاستنزاف
لم تكن حرب اليمن مجرد صراع داخلي كما روّج له الإعلام الغربي، بل كانت في حقيقتها حربًا بالوكالة، تخوضها أمريكا نيابة عن الكيان الصهيوني، لتحقيق جملة من الأطماع:
السيطرة على باب المندب وخط الملاحة الدولي.
تحييد اليمن عن محور المقاومة.
تفكيك القوة اليمنية الصاعدة بعد ثورة 21 سبتمبر.
تهيئة بيئة آمنة للتوسع الصهيوني في البحر الأحمر.
وهكذا، انطلقت الطائرات الأمريكية والسعودية، وتدفّقت الأسلحة، وسُيّرت الأقمار الصناعية، ظنًا منهم أن “صنعاء” ستسقط خلال أيام.
لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا…
بأسٌ يماني يصنع معادلات الردع
على مدى تسعة أعوام، خاض اليمن معركة كرامة هي الأطول والأعظم في تاريخه الحديث.
رغم الحصار، ورغم الحرب الاقتصادية، ورغم انعدام الغطاء السياسي، تمكّن اليمنيون من صناعة الردع:
إسقاط أحدث الطائرات الأمريكية: MQ-9
ضرب العمق السعودي والإماراتي بطائرات وصواريخ محلية الصنع.
تحويل الجبهات إلى ساحات استنزاف مفتوحة، لم تعد قادرة على إنتاج نصر حتى إعلامي.
تكبيد التحالف خسائر في العتاد والرجال والهيبة والقرار.
من الهدنة إلى غزة.. اليمن يعود بعقيدة الانتصار مع توقّف العمليات العسكرية المباشرة ضمن هدنة هشة، ظنّ العالم أن اليمن طوى صفحة المعركة، وبدأ في لملمة جراحه.
لكن ما إن بدأ العدوان الصهيوني الهمجي على غزة، حتى عادت اليمن إلى الواجهة، ولكن هذه المرة بعقيدة مختلفة:
النصرة.
صنعاء فتحت جبهة البحر الأحمر، وفرضت حصارًا بحريًا على الكيان الصهيوني، لتُربك واشنطن والعالم بأسره.
كيف لشعبٍ خرج تواً من حرب استنزاف دامت تسع سنوات، أن يفتح جبهة جديدة بثبات وصلابة؟
الصدمة الأمريكية.. بداية الغرق الجديد
فوجئت واشنطن، ولم تُخفِ دهشتها من القدرات اليمنية التي باتت تُهدّد مصالحها في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
فتحرّكت تحت غطاء “حماية الملاحة”، وفي الحقيقة إسناد للكيان الصهيوني، لتجد نفسها في مواجهة مفتوحة مع اليمن، في معركة لا تُشبه سابقاتها.
خسائر في السفن والطائرات.
فشل في اعتراض الطائرات المسيّرة والصواريخ اليمنية.
استنزاف اقتصادي عبر ارتفاع تكاليف التأمين والملاحة.
سقوط قتلى وجرحى في صفوف البحرية الأمريكية.
إحراج سياسي على المستوى الدولي.
و”ما خفي كان أعظم”، فصنعاء حتى اللحظة لم تُخرج كل أوراقها.
وفي وجه الطغيان الأمريكي والصهيوني، وقف اليمن كالجبل.
صامدًا، صابرًا، ثابتًا.
جيش العقيدة، وشعب الشهداء، وجبهة لا تنكسر.
لقد تحوّلت صنعاء من مدينة محاصَرة إلى رقم صعب في معادلة الردع الإقليمي، تُعيد صياغة التوازنات، وتُحرج العواصم الكبرى بسلاح الإرادة والكرامة.
فهل تنسحب أمريكا قبل الغرق؟
اليوم، أمريكا أمام خيارين لا ثالث لهما:
إما الانسحاب من اليمن ومن المياه الإقليمية بشيء من ماء الوجه وتوقف العدوان والحصار على غزة
أو الاستمرار في الغرق البطيء في مستنقع لم يُحسب له حساب، فينقلب التكبّر إلى ندم، وتصبح الهيمنة الأمريكية قصة من الماضي.
لم تكن حرب اليمن مجرد فصل دموي في دفتر السياسة الدولية، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لأقوى دولة في العالم، وقد سقطت فيه مرارًا. وبينما يراهن البعض على الزمن، يراهن اليمنيون على الله، وعلى وعيهم، وعلى بأسهم الذي لم يُقهر.