الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر رضوان الله عليه… نورٌ في زمن الظلام، وصوت حق في عهد الطغيان

بقلم _ ضياء ابو معارج الدراجي 

 

قبل كل شيء، أنا من مقلدي سماحة المرجع الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف، وأتشرف بذلك، ولكن هذا لا يمنعني من قول كلمة حقٍ في رجل من عظماء هذا العصر، رجلٍ نطق فصدع، ومشى فزلزل، وصلى فأيقظ ضمير أمة، هو المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، قدّس سره الشريف، نور الحوزة، وفخر التشيع، وبوابة الانتفاضة الروحية والعقائدية التي لم يُطفأ لهيبها حتى بعد استشهاده.

 

رجل اجتمع فيه زهد العلماء وبأس الثوار، تميّز بنظافة اليد، وقوة البيان، وجرأة الموقف، ونقاء المنهج. رفع راية أهل البيت في زمان الصمت، صدح من على منبر صلاة الجمعة بصوت الحق، متحديًا دكتاتورًا لا يرحم، وطغاة الداخل والخارج.

 

ذات مرة، واجهت رجلًا امتلأ صدره بالحقد على هذا السيد الشهيد، فظن أنني ـ بما أني من غير مقلديه ـ سأشاركه في الطعن، ولكنه فوجئ بموقفي، فقد رفضت أن أكون من الذين يطعنون في رموز الأمة بجهل أو تحامل. سألته بهدوء: ما سبب هذا الحقد؟

فقال: كان بعثيًا!

فقلت له: كيف عرفت؟

قال: منحه صدام صلاحيات لإقامة صلاة الجمعة ولإدارة شؤون المرجعية!

 

فأجبته بمنطق القرآن وسنن التاريخ: إن نبي الله يوسف عليه السلام طلب من ملك مصر الكافر أن يجعله على خزائن الأرض، وكان ذلك لخدمة الناس ونشر العدل،فهل كان نبي الله يوسف كافر بقياسك؟. وإن الإمام الرضا عليه السلام قَبِل ولاية العهد من المأمون العباسي رغم علمه بخطر المنصب، ولكنه استثمره لنشر التشيع حتى عمّ نوره قصر الخلافة نفسه، فلما اشتد خطره عليهم قتلوه،فهل كان الامام الرضا عليه السلام عباسيا حسب قياسك.

 

وهكذا كان السيد الشهيد الصدر الثاني، قدّس الله سره، إذ قَبِلَ ما فُرض عليه، لا ليرضى عن الظالم، بل ليجعل من الفرض منبرًا للنهضة. استخدم صلاة الجمعة وسيلة لجمع القلوب، وتوحيد الأمة، وتذكيرها بخط محمد وآل محمد، فكانت صرخته مدوّية أيقظت الساكنين، وأربكت العروش، فاستهدفوه واغتالوه مع ولديه السيد مصطفى والسيد مؤمل، في أبشع جريمة سياسية وعقائدية شهدها العراق الحديث.

 

رغم دسائس البعثيين الذين حاولوا اختراق مشروعه، وزرعوا في محيطه المصطلحات الفتنوية كالحوزة النائمة والناطقة، لإعادة خطاب التفريق الذي استخدمه بنو أمية والعباسيون من قبل، والذي أفرز انشقاقات مثل الزيدية والإسماعيلية والقرامطة، فإن الشهيد الصدر وقف كالطود الشامخ، ينادي بمنهجٍ صافٍ لا غبش فيه، هو منهج محمد وآل محمد، منهج الإمام جعفر الصادق عليه السلام، خط الإمامة الاثني عشرية الذي لا يميل ولا ينحرف.

 

وما زاد مشروعه صلابةً وامتدادًا، هو ما نراه اليوم من حكمة نجله السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الوطني الشيعي الذي حمل راية والده، وعمل بكل قوة على تنقية هذا النهج من الشوائب، ومجابهة المنحرفين الذين أرادوا اختطاف هذا الخط المبارك، فظهر “أصحاب القضية” و”الصرخية” و”المولوية” وفرق الانحراف الاخرى، لكن السيد مقتدى الصدر واجههم بحزم، معلنًا على الملأ أن والده كان مرجعا على مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، المذهب الإمامي الاثني عشري الخالص، وأنه ـ مقتدى ـ ليس الإمام المهدي، ولا يقبل أن يُنسب إليه هذا الادعاء الضال، بل هو خادم للحق وأتباعه ولاهل البيت عليهم السلام.

 

إن من يقرأ مسيرة الشهيد الصدر ونجله ، يدرك أنهما امتدادٌ حيٌّ للنهج المحمدي الخالص، وصدىً نقيٌّ لمنهج علي والحسن والحسين، وبقية الأئمة الأطهار. سارا على درب التضحية، وحملا همّ الأمة، وكانا سياجًا يحفظ التشيع من الانحراف والغلو، والتفريط والجهل.

 

نعم، التاريخ يعيد نفسه، والفتن تتكرر، لكن العظماء يتركون بصمات لا تزول، ويُحيون أمة بكلمة، أو دمعة، أو صلاة. وهكذا كان الصدر الثاني، صوت الحقيقة في زمن الظلمة، ووهج النور في ليل البعث الطويل، وبذرة الصحوة التي أثمرت جيلًا جديدًا من الواعين والثائرين.

 

رحم الله شهداءنا من المراجع العظام، وحفظ الله لنا سماحة السيد السيستاني، دام ظله الوارف، وأعان الله القادة العقائديين على مواجهة انحرافات الأمة التي تدعمها أيادٍ يهودية وأموية خبيثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى