الشهيد الصدر: بوصلة الوعي ومعراج المقاومة..!
بقلم _ إنتصار الماهود
السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر شخصية فذّة، تركت أثراً عظيماً في تاريخ العراق الديني والاجتماعي والسياسي. ومع أن كثيراً من الناس يعرفون عن مواقفه السياسية الجريئة أو خطبه النارية، إلا أن هناك جوانب عميقة لا يتحدث عنها كثيرون، منها:
1. تفرده في أسلوب التواصل مع الناس: كان السيد الصدر من القلائل الذين جمعوا بين المرجعية الدينية والشعبية القريبة من الناس بشكل مباشر، عبر خطب الجمعة، وهذا خرقٌ للعرف السائد بين المراجع في النجف آنذاك، الذين كانوا يميلون للصمت والعمل خلف الكواليس.
2. نزعته التجديدية في الفقه والأصول: رغم أنه كان ملتزماً بالخط الفقهي التقليدي، إلا أنه دعا إلى تجديد في طرح الفقه بما يخدم واقع الناس، وتبنى أسلوب تبسيط المسائل الشرعية، حتى للفئات غير المتخصصة.
3. تصوفه العملي العميق: لم يكن متصوفاً بالطريقة التقليدية، لكن سلوكه وورعه وطهارته الداخلية كانت تعكس روحاً زاهدة وعارفة بالله. كان كثير الذكر، دائم التواضع، يبيت أحياناً بلا كهرباء أو خادم رغم مكانته.
4. إشرافه الخاص على تربية جيل مقاوم وروحي في آنٍ واحد: لم يكن همه فقط إسقاط الظلم، بل إعداد الإنسان الرباني، وقد بدأ مشروعاً روحياً وسلوكياً لتقويم النفس، مزج فيه بين العمل الجهادي والتهذيب الباطني، وكان يربي تلاميذه على الخشوع، مراقبة النفس، وصدق النية.
5. علاقته بالخلوات والرياضات الشرعية: هناك إشارات من مقربيه بأنه كان يمارس بعض الرياضات العبادية الخاصة، وكان يرى في خلوات الليل مفتاحاً للفهم والمعرفة، لكنه لم يُفصح كثيراً عنها، خشية أن تُساء فهمها
لنركز قليلا على اشراف الشهيد الصدر على تربية جيل مقاوم ما هي أسبابه وكيف استطاع أن ينجح رغم قصر المدة وهو جانب بالغ الأهمية في مشروع السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، ويُعد من أعمق ما قدّمه، لأنه لم يكن مجرد مشروع مقاومة سياسية، بل مشروع إنشاء الإنسان الرسالي المقاوم، المرتبط بالله، الواعي بزمانه، المستعد للتضحية، المطمئن بعقيدته وقد عمل على :
1. الدمج بين الروحانية والجهاد: كان السيد يرى أن الجهاد لا قيمة له إن لم يكن منطلقاً من تقوى داخلية. لذلك، لم يكن يربّي أتباعه على الغضب أو الكراهية بقدر ما كان يربّيهم على الحب لله والخوف منه، واليقين بأن الشهادة فوز عظيم. كان يقول: “إن أردت أن تكون مقاوماً حقيقياً، فطهّر قلبك أولاً.”
2. خطبة الجمعة كمنبر إعداد: استخدم السيد خطب الجمعة، ليس فقط لإعلان الموقف السياسي، بل لتربية قلوب الناس، وإثارة وعيهم، وتثبيتهم على طريق المقاومة. كان يبث فيها روح العزة والكرامة، ويُشعر الفقير والبسيط بأنه شريك في مصير الأمة.
3. تأصيل فقه الثورة: لم يعتمد السيد فقط على العاطفة، بل أسس فقهياً لمشروعية الثورة والرفض، مبيناً أن السكوت على الظلم حرام، وأن الدفاع عن الدين والنفس والمقدسات واجب شرعي. وهذا منح شرعية روحية وأخلاقية لمشروعه المقاوم.
4. التربية بالقدوة: لم يكن يطلب من الناس ما لا يفعله، بل كان هو في مقدمة الصف، في التواضع، في الزهد، في المخاطرة، في البساطة. لبس الكفن علناً، ومشى في الشوارع بين الفقراء، وجعل بيته بيت الناس.
5. زرع مشروع الأمل وليس الانتقام: المقاومة عنده لم تكن ردة فعل على القمع فقط، بل مشروع بناء، يُخرج الناس من الذل إلى العزة، من الجهل إلى الوعي، من الخوف إلى الاطمئنان بالله. وكان يقول: “إن هذا الجيل سيغيّر التاريخ إن ثبت على طريقه
في زمنٍ جفّت فيه ينابيع الصدق، وتسلطت فيه الآلة البعثية على كل خلية من خلايا المجتمع، التفت السيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر إلى الشباب، لا كطبقة مهمّشة، بل كلبنة أولى لمشروع النهوض.
كان يدرك أن أخطر ما فعله النظام الصدامي هو تسميم وعي الشباب، إما بالتخدير القومي الزائف، أو بالإرهاب، أو بالتمييع والانحراف الأخلاقي. فوقف السيد، بروح الأب القريب، يمدّ إليهم يد الهداية، لا بالتعالي، بل بالحبّ والتفهّم والاحتضان.
لم يخاطبهم بلغة النخبة، بل بلغة الروح، بلغتهم هم، بكلمات يفهمها ابن الريف كما ابن المدينة. دعاهم إلى المساجد، لا للتلقين، بل ليجدوا فيها وطنهم الآمن. قال لهم: “أنتم الذين سيغيّرون هذا الظلام بنوركم.” فاستثار فيهم الحماسة والكرامة، لكنه كان يحرص أن يقترن الحماس بالبصيرة، وأن تكون العاطفة محاطة بعقل واعٍ.
ومن أروع ما فعله، أنه فكّك آثار البعث في نفوسهم دون صدام مباشر؛ كان يُظهر باطل الفكر البعثي عملياً: في خطبه، في زهده، في صدقه، في تواضعه، حتى صار الشباب يقارنون بين “السيد الذي يعيش بينهم” و”الحزب الذي ينهبهم”، فمالت قلوبهم إلى الحق.
حماهم من الفكر البعثي أيضاً بأن منحهم بديلاً حقيقياً: الإسلام الواعي، والالتزام العاطفي والروحي، والقدوة الحيّة التي لم تتلوّن. بل إنه ربّى فيهم حسّ الانتماء للمجتمع والضعفاء، لا للسلطة، وفتح لهم مجال الخدمة والدور، ليشعروا أنهم ليسوا عبئاً، بل قادة مشروع المستقبل.
كان يقول: “الشباب هم الثقل الثاني بعد القرآن، إذا وُجهوا لله، نصروا دينه وأحيوا أُمته.”
وقد انبثقت من تحت خيمته الآلاف من الشباب الرسالي المقاوم الذين نفخر بهم وبما قدموه للعقيدة والمذهب والبلد أبناء الصدر العظيم وحملة شعلة رسالته الخالدة
فرحم الله روح مولانا المقدس الذي أضاء حياتنا وأنار دربنا وحمانا من الفكر البعثي العفن