عصائب أهل الحق… من فصيل مقاوم إلى قوة استراتيجية

بقلم _ وليد الطائي

منذ لحظة انطلاقتها في أوج الاحتلال الأميركي للعراق، لم تكن عصائب أهل الحق مشروعًا مرحليًا أو رد فعل آني، بل كانت ثمرة وعي عقائدي ورؤية استراتيجية طويلة الأمد، تستند إلى قاعدة جماهيرية، وقيادة فكرية، ودعم محور المقاومة في المنطقة. واليوم، وبعد أكثر من عقد ونصف من النضال، لم تعد العصائب مجرد فصيل مسلح، بل أصبحت قوة استراتيجية متكاملة الأبعاد، لها تأثير سياسي، أمني، اجتماعي، وثقافي داخل العراق وخارجه.

1. الجذور العقائدية ومشروعية المقاومة

منذ البداية، بنت العصائب مشروعها على أساس الحق في مقاومة الاحتلال، متكئة على شرعية دينية ووطنية، وعلى إرث فقهي يشرّع الجهاد ضد قوى الاستكبار والاحتلال. هذا الجذر العقائدي منحها ثباتًا فكريًا وسط تقلبات المرحلة، وأوجد لها هوية مميزة ضمن الطيف الشيعي المقاوم.

2. من الميدان إلى السياسة

في مرحلة ما بعد الاحتلال، لم تبقَ العصائب في موقع الرد العسكري فقط، بل دخلت معترك السياسة من خلال جناحها السياسي “حركة صادقون”، لتؤكد أن مشروعها ليس فصائليًا ضيقًا، بل وطني شمولي يهدف إلى إصلاح النظام السياسي، والدفاع عن السيادة، وبناء الدولة على أسس الكرامة والاستقلال.

3. التمدد في معادلة الردع الإقليمي

لم تعد العصائب قوة داخلية فحسب، بل بات لها دور محوري ضمن محور المقاومة، تشارك في تعزيز الردع ضد “إسرائيل” والوجود الأميركي في المنطقة. وجودها ضمن الخطوط الخلفية للمعادلة الإقليمية منحها وزنًا استراتيجيًا، وفرض على خصومها التعامل معها كقوة مؤثرة لا يمكن تجاوزها.

4. القاعدة الشعبية والتنظيم المحكم

بفضل خطابها الشعبي، وقربها من هموم الناس، ونزاهة كوادرها، استطاعت العصائب أن تبني قاعدة جماهيرية واسعة، لا فقط على مستوى المقاتلين، بل أيضًا في الأوساط الطلابية، العشائرية، والنخب المثقفة. هذا العمق الاجتماعي جعل منها قوة راسخة يصعب عزلها أو استهدافها دون تداعيات شعبية.

5. العقوبات والشيطنة… وأثرها العكسي

رغم محاولات واشنطن والغرب لوصم الحركة بالإرهاب، وفرض عقوبات على قياداتها، إلا أن هذه السياسات أنتجت أثرًا عكسيًا، حيث ازدادت العصائب تمسكًا بخطها، وتحوّلت إلى رمز للممانعة ضد الهيمنة. إنها اليوم ليست فقط طرفًا في المعادلة العراقية، بل جزء من رد الفعل التاريخي على الهيمنة الأميركية في المنطقة.

لقد أصبحت عصائب أهل الحق اليوم قوة استراتيجية مكتملة الأركان، تمثل وجدان جزء كبير من الشعب العراقي، وتمتلك أدوات التأثير السياسي والميداني، وتقف في الصف الأول للدفاع عن محور المقاومة. إنها قوة تتجاوز الحسابات الحزبية، وتُعبّر عن مشروع تحرري له امتداد روحي وتاريخي وعقائدي، لن يُكسر بسهولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى