السبي بين النص والتأويل: دفاع عن كرامة زينب (عليها السلام) وحدود المنبر
بقلم _ الشيخ مجيد العقابي
نحن نرفض أن يُفهم “السبي” بمعنى الذلّ في ما يخصّ أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لأن مواقف السيدة زينب (عليها السلام) ـ في الكوفة والشام ـ قد هزّت عرش الطاغية، وقلبت موازين الخطاب، وأبطلت مشروعية المنتصر الزائف.
غير أن تحويل مفردة “السبي” إلى معانٍ أخرى كـ”الأسير” أو “الواسطة” أو “المسافر”، لا يستقيم مع النصوص، بل يُعدّ قفزًا على النصّ الشرعي والتاريخي، لأن النص الزينبي يثبت ـ وبشكل قاطع ـ أنها وصحبها كانوا سبايا، وهي تقول بوضوح في خطبتها المدوية في مجلس يزيد:
«أَمِنَ العدلِ يا ابنَ الطُّلَقاء، تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسولِ اللهِ سبايا؟!»
(بحار الأنوار، ج45، ص135؛ الملهوف لابن طاووس)
هذا أولًا.
وثانيًا، فإن هذا التحوير يُفضي إلى فتح باب خطير لتبرير ما فعله يزيد، ويُسهم ـ من حيث لا يُراد ـ في تخفيف حجم المظلومية الهائلة التي لحقت بأهل البيت (عليهم السلام)، والوحشية التي مارسها الحكم الأموي بحقهم. فالسبي كان جزءًا من الجريمة، ومحو هذه المفردة من التداول أو التفسير يطمس معالم الجريمة التاريخية.
ومن هنا، أقول: إن النص حاكمٌ على الفهم، لا العكس، خصوصًا وأن خطبة السيدة زينب (عليها السلام) ـ بما تحمله من مضمون ومبنى ـ لا خلاف في سندها ولا مضمونها عند علماء التحقيق.
وعليه، ينبغي التفريق بدقة بين أمرين:
1. المفردة (السبي): هي حاضرة، ثابتة، ومستخدمة بنص المعصوم أو من هو في مقامه.
2. المسبية (السيدة زينب عليها السلام): هي بطلة، قائدة، مفكرة، وقفت شامخة في مواضع لم يصمد فيها الملوك، وكانت ـ رغم الظرف القهري ـ صاحبة خطاب أعاد توجيه الأمة.
وفي هذا السياق، نؤكد أيضًا أننا نرفض ما يرد على ألسنة بعض الخطباء ـ سامحهم الله ـ من توصيف السيدة زينب (عليها السلام) بالهوان، طلبًا لإثارة البكاء في نهاية المحاضرة.
فهذه المفردات ـ وإن صدرت عن نية طيبة ـ لا تخلو من إشكال عقائدي وشرعي، وكان الأجدر استبدالها بمفردات وجدانية تعبّر عن لسان الحال، لا أن توهم المهانة أو الضعف.
مع التنبيه إلى أن أغلب ما يُروى على أنه لسان حال قد يدخل في الكذب إلا ما رحم ربي، ولا ينبغي أن يختلط على الناس الفرق بين لسان الحال والواقع، أو أن يتحدث الناعي كما لو كان شاهدًا للواقعة، وهذا مما ينبغي تنزيه المجالس عنه.
أما فيما يخص مفردة “الذل”، فإن الإمام الرضا (عليه السلام) يقول:
«إن يوم الحسين ،،،،،،،، أذلّ عزيزنا بارض كربلاء وبلاء »
(امالي الشيخ الصدوق ، ص ١٩٠).
فهنا الذلّ لا يعني الهوان، بل الألم النفسي العميق، والجرح المعنوي الذي أصاب العزّة الرسالية، بفعل الفاجعة التي هزّت أركان الإسلام، وهو ذلّ الظلم لا ذلّ الانكسار.
من هنا، فإن وصف الواقع بألفاظه لا يُعدّ إنقاصًا من قدر أهل البيت (عليهم السلام)، بل هو تأريخ للمأساة، وبيان لحجم الفجيعة، شرط أن يُفهم الوصف ضمن مقاماته وسياقاته، دون إسقاطات خاطئة أو إساءة تأويل.
وتبقى هذه قراءتي المتواضعة، لا أُلزم بها أحدًا، ولكلٍّ رأيه وقراءته، ما دام المنطلق هو محبة أهل البيت (عليهم السلام) والدفاع عن كرامتهم، والحرص على بقاء الحقيقة ناصعة لا يشوبها حذف أو تأويل.
الشيخ مجيد العقابي
رئيس مركز الفكر للحوار والإصلاح
التاريخ: 04-05-2025