كثرة الدكاترة… وقلّة التغيير!
بقلم _ الشيخ مجيد العقابي
في مجتمعاتنا اليوم، تزداد أعداد من يحملون لقب “دكتور” بشكل لافت، حتى صرنا نسمع هذا اللقب في كل محفل ومؤسسة، وفي كل دعوة وندوة، وعلى كل إعلان وبوستر وسيرة ذاتية. ومع ذلك، لا نرى تغييرًا حقيقيًا يوازي هذا “الزخم الأكاديمي”. السؤال الصادم الذي يطرحه الناس بصراحة: أين أثر كل هؤلاء؟
هل صار لقب “دكتور” غاية بحد ذاته؟
هل أصبح الناس يخجلون من أنفسهم إن لم يحصلوا على شهادة عليا؟
وهل تحوّلت الدكتوراه إلى مجرّد عنوان اجتماعي يحمله المرء ليشعر بأنه “شيء مهم”، ولو لم يكن له أي تأثير حقيقي على الواقع؟
الدكتوراه ليست مشكلة، بل هي شرف حين تكون في مكانها الصحيح.
لكن المشكلة أن الشهادة أصبحت في كثير من الحالات غلافًا بلا مضمون، وصوتًا بلا رسالة، ومقعدًا بلا مسؤولية. كثيرون يحملون الشهادات، لكنهم لم يقدّموا فكرة واحدة جديدة، ولا مشروعًا حيًّا، ولا رؤية تغيّر شيئًا في حياة الناس.
وما هو أخطر من ذلك، أن بعض من يحملون هذا اللقب لا يملكون من العلم شيئًا أصلًا.
لا ندري كيف حصلوا على الشهادة، ومن أين، ولا بأي منطق مُنحت لهم! لا معرفة حقيقية، ولا فكر، ولا اطلاع، ولا حتى أخلاق علمية في الحوار أو احترام التخصص.
كأنهم لبسوا معطف الدكتوراه فقط، لكنه فارغ من الداخل.
لقب بلا مضمون، وصوت بلا أثر.
وقد ترى “دكتورًا” لا يكتب سطرًا نافعًا، ولا يقرأ كتابًا، ولا يشارك في أي حوار علمي، ولا يملك رأيًا يُعتد به. فقط لقب يتقدّم اسمه، و”بروفايل” مزدحم بالألقاب، لكن لا شيء خلف الستار.
في المقابل، نرى أشخاصًا بسطاء بلا شهادات عليا، لكنهم يملكون الوعي، والغيرة، والشجاعة، والرسالة. وهؤلاء هم الذين يحركون المجتمع، ويوقظون الوعي، ويصنعون الفرق.
من الخطأ أن نختزل العلم بالشهادة، أو نختزل التغيير بالألقاب.
الناس لا تحتاج إلى مزيد من العناوين، بل إلى مزيد من الوعي، والموقف، والعمل، والأثر. ما نحتاجه هو فكر حي، وروح مخلصة، وشخصيات لا تكتفي بالجلوس في المؤتمرات، بل تنزل إلى الواقع، وتعيش همّ الناس، وتنتج حلولًا، وتواجه الفساد، وتبني، وتصلح، وتزرع الأمل.
ما فائدة دكتوراه لا تفيد الفقير؟
ما فائدة بحث لا يُقرأ؟
ما فائدة عقل لا يضيء؟
ما فائدة تخصص لا يُسهم في نهضة؟
العلم الحقيقي هو الذي يبني الإنسان، ويخدم الحقيقة، ويعطي بلا انتظار مقابل.
القرآن الكريم لم يمدح الألقاب يومًا، بل سأل عن العلم النافع، والعمل الصالح، فقال تعالى:
“هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” [الزمر: 9].
وسأل أيضًا عن العمل:
“وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” [التوبة: 105].
والأخطر من ذلك، أن القرآن ذمّ من يملك المعرفة ولا يعمل بها، فقال:
“مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا” [الجمعة: 5].
العبرة ليست في عدد الشهادات، بل في ماذا فعلت بها.
ولذلك نقول: الدكتور ليس من يحمل الشهادة، بل من يحمل الرسالة.
لكل دكتور حقيقي يحمل همّ الناس، ويكتب، ويشرح، ويبني، ويعلّم:
أنت قيمة هذا الوطن، وعموده، وأمله، فاستمر.
ولكل من اكتفى باللقب دون أثر، أو حمل شهادة لا يعرف كيف نالها، ولا يملك ما يقدّمه:
تذكّر أن الناس لا تحفظ إلا من غيّر ووعى وبنى… لا من جلس يتجمّل بلقبه.
فالعناوين تموت إن لم يحيها المضمون، والشهادات تُنسى إن لم يصحبها أثر.
( لا تستعجل وتقول بالمقابل هناك معممين كذا وكذا المقال اقرا المقال القادم).
الشيخ مجيد العقابي
مركز الفكر للحوار والإصلاح
06-05-2025